@ 4012 @ ثم ان والده حج في سنة أربع وأربعين فمات في الطريق فلما بلغه خبره عاد الى بغداد وأقام بها مديدة .
ثم توجه الى الشام واتصل بالملك عز الدين فرخ شاه بن أيوب أخي صلاح الدين ملك الشام ومصر ونال منه منزلة رفيعة واستوزره فلما توفي فرخ شاه اتصل بأخيه تقي الدين عمر صاحب حماه واختص به ودخل ديار مصر ورأى من الجاه والتعظيم ما لم يره أحد وكثرت أمواله ثم انه سكن في آخر عمره بدمشق الى حين وفاته وكان الملك المعظم عيسى بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب صاحب دمشق يقرأ عليه الأدب ويقصده في منزله ويعظمه ويبجله .
رحلت اليه قاصدا من مكة وكنت بها مجاورا وقرأت عليه كثيرا من الحديث والأدب وكان يواصلني بما أنفقه ويجلس لي خاليا للقراءة عليه وكانت هذه عادته في أكرام الغرباء وما رأيت شيخا أكمل منه فضلا ولا أثم منه عقلا ونبلا وثقة وصدقا وتحقيقا وتثبيتا ورزانة مع دماثة أخلاقه ولطف عشرته وكرم تواضعه وطيب مجالسته وحسن نشواره وكان مهيبا وقورا أشبه بالوزراء من العلماء لجلالته وعلو منزلته عند الملوك والأعيان وسائر الناس وكان أعلم أهل زمانه بالنحو وأظنه كان يحفظ كتاب سيبويه لأني ما دخلت عليه قط إلا وهو في يده يطالعه وكانت له به نسخة في مجلدة واحدة بخط الدقاق النحوي دقيقة الخط فكان يراها بلا كلفة وقد بلغ التسعين وكان قد متعه الله بسمعه وبصره وقوته وكان مليح الصورة طريفا اذا تكلم ازداد حلاوة وله النظم والنثر المليح والبلاغة الكاملة .
توفي شيخنا أبو اليمن الكندي في ضحوة نهار الاثنين سادس شوال سنة ثلاث عشرة وستمائة ووصل الينا الخبر بذلك في ذي القعدة من السنة الى حلب ثم أخبرني بوفاته جماعة على ما ذكرته .
ودفن بجبل قاسيون