@ 102 @ بقصد حج بيت الله الحرام وزيارة قبر نبيه صلى الله عليه وسلم فلقي بمصر الخليفة العباسي إذ كان رسم الخلافة العباسة لا زال قائما بها يومئذ حتى محاه السلطان سليم العثماني أيام تغلبه على مصر سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة فلما اجتمع الحاج محمد سكية بالخليفة المذكور طلب منه أن يأذن له في إمارة بلاد السودان وأن يكون خليفته هناك ففوض إليه الخليفة العباسي النظر في أمر ذلك الإقليم وجعله نائبه على من وراءه من المسلمين فرجع الحاج محمد سكية إلى بلاده وقد بنى أمر رياسته على قواعد الشريعة وجرى على منهاج أهل السنة ولقي بمصر أيضا الإمام شيخ الإسلام حافظ الحفاظ جلال الدين السيوطي فأخذ عنه عقائده وتعلم منه الحلال والحرام وسمع عليه جملا من آداب الشريعة وأحكامها وانتفع بوصاياه ومواعظه فرجع إلى السودان ونصر السنة وأحيى طريق العدل وجرى على منهاج الخليفة العباسي في مقعده وملبسه وسائر أموره ومال إلى السيرة العربية وعدل عن سيرة العجم فصلحت الأحوال وبرئ جسد الرشاد من الداء العضال وكان الحاج محمد المذكور سهل الحجاب رقيق القلب خافض الجناح شديد التعظيم لأئمة الدين محبا للعلماء مكرما لهم يفسح لهم في المجلس ويوسع عليهم في العطاء ولم يكن في أيامه كلها بؤس ولا بأس بل كانت رعيته في خفض عيش وأمن سرب وفرض عليهم شيئا خفيفا من المغارم وظفه عليهم وزعم أنه ما فعل ذلك حتى استشار الإمام السيوطي شيخه ولم يزل على سيرته المذكورة إلى أن اخترمته المنية فقام بالأمر بعده ولده داود بن محمد فأحسن ما شاء وتبع طريقة أبيه إلى أن لحق بربه ومضى لسبيله فقام بالأمر بعده ولده إسحاق بن داود فعدل عن بعض سيرة أبيه ولم يكن في أمره بالذميم واستمر حاله على الانتظام إلى أن غزته جيوش المنصور فنقضت ملكه ونثرت سلكه وانقرض عليه أمر آل سكية بعد أن كان تحت طاعتهم مسيرة ستة أشهر من بلاد السودان وسنذكر كيفية ذلك .
وأما مملكة التكرور وكانم فقال ابن خلكان ما نصه كانم بكسر النون جنس من السودان وهم بنو عم تكرور وكل واحدة من هاتين القبيلتين لا تنسب إلى أب ولا أم وإنما كانم اسم بلدة بنواحي غانة فسمي هذا الجنس