@ 138 @ ثم أطاعه أهل مدينة قفصة وقدم عليه صاحبها فوصله بألف دينار وبالجملة فإنه استخلص في هذه المدة جميع بلاد إفريقية من أيدي القائمين بها .
ولما كان الثاني والعشرون من شعبان من السنة المذكورة جاء أسطول صاحب صقلية في مائة وخمسين شينيا غير الطرائد ممدا لأهل المهدية وكان هذا الأسطول قد قدم من جزيرة يابسة من بلاد الأندلس وقد سبى أهلها وأسرهم وحملهم معه فأرسل إليهم ملك الفرنج يأمرهم بالمسير إلى المهدية ليمدوا إخوانهم الذين بها فقدموا في التاريخ المذكور فلما قاربوا المدينة حطوا شرعهم ليدخلوا الميناء فخرج إليهم أسطول عبد المؤمن وركب العسكر جميعه ووقفوا على جانب البحر فاستعظم الفرنج ما رأوا من كثرة العساكر وداخل الرعب قلوبهم .
ونزل عبد المؤمن إلى الأرض فجعل يمرغ وجهه ويبكي ويدعو للمسلمين بالنصر واقتتلوا في البحر فانهزمت شواني الفرنج وأعادوا القلوع وساروا وتبعهم المسلمون فأخذوا منهم سبع شواني وكان أمرا عجيبا وفتحا غريبا .
وعاد أسطول المسلمين مظفرا منصورا وفرق فيهم عبد المؤمن الأموال ويئس أهل المهدية حينئذ من النجاة ومع ذلك فقد صبروا على الحصار أربعة أشهر أخرى إلى أخر ذي الحجة من السنة فنزل حينئذ من فرسان الفرنج إلى عبد المؤمن عشرة وسألوا الأمان لمن فيها من الفرنج على أنفسهم وأموالهم ليخرجوا منها إلى بلادهم وكان قوتهم قد فنى حتى أكلوا الخيل فعرض عليهم عبد المؤمن الإسلام ودعاهم إليه فقالوا ما جئنا لهذا وإنما جئنا نطلب فضلك وترددوا إليه أياما .
وكان من جملة ما استعطفوه به أن قالوا أيها الخليفة ما عسى أن تكون المهدية ومن بها بالنسبة إلى ملكك العظيم وأمرك الكبير وإن أنعمت علينا كنا أرقاء لك في أرضنا فعفا عنهم وكان الفضل شيمته وأعطاهم سفنا ركبوا فيها وساروا وكان الزمن شتاء فغرق أكثرهم ولم يصل منهم إلى صقلية إلا النفر اليسير