@ 128 @ هنية دون أن يكدرها من البشر اكتساب أو يتقدمها استدعاء أو اجتلاب بل أوقع الله تعالى في نفوس أهل ذلك القطر من الفرح بإرساله ما أطلع بالمشاهدة على صحة صدقه وعضلت مخايل برقه سواكب ودقه وعد ذلك من كرامات أمير المؤمنين عبد المؤمن وسعادته .
ثم عزم عبد المؤمن على تعظيم المصحف الكريم وشرع في انتخاب كسوته واختيار حليته فحشر الصناع المتقنين ممن كان بالحضرة وسائر بلاد المغرب والأندلس فاجتمع لذلك حذاق كل صناعة من المهندسين والصواغين والنظامين والحلائين والنقاشين والمرصعين والنجارين والزواقين والرسامين والمجلدين وعرفاء البنائين ولم يبق من يوصف ببراعة أو ينسب إلى الحذق في صناعة إلا أحضر للعمل فيه والاشتغال بمعنى من معانيه .
وبالجملة فقد صنعت له أغشية بعضها من السندس وبعضها من الذهب والفضة ورصع ذلك بأنواع اليواقيت وأصناف الأحجار الغريبة النوع والتشكل العديمة المثال واتخذ للغشاء محمل بديع مما يناسب ذلك في غرابة الصنعة وبداعة الصبغة .
واتخذ للمحمل كرسي على شاكلته ثم اتخذ للجميع تابوت يصان فيه على ذلك المنوال ووصف ذلك يطول .
وفي خلال هذه المدة أمر عبد المؤمن ببناء المسجد الجامع بحضرة مراكش حرسها الله فبدئ ببنائه وتأسيس قبلته في العشر الأول من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة وكمل في منتصف شعبان من السنة المذكورة على أكمل الوجوه وأغرب الصنائع وأفسح المساحة وأحكم البناء والنجارة وفيه من شمسيات الزجاج ودرجات المنبر وسياج المقصورة ما لو عمل في السنين العديدة لاستغرب تمامه فكيف في هذا الأمد اليسير الذي لم يتخيل أحد من الصناع أن يتم فيه تقديره وتخطيطه فضلا عن بنائه وصليت فيه صلاة الجمعة منتصف شعبان المذكور .
ونهض عبد المؤمن عقب ذلك لزيارة روضة المهدي بمدينة تينملل