الخواص يقول ركبت البحر وكان معي في المركب رجل يهودي فتأملته أياما كثيرة لا أراه يذوق شيئا ولا يتحرك ولا ينزعج من مكانه ولا يتطهر ولا يشتغل بشيء وهو ملتف بعباء مطروح في زاوية ولا يفاتح أحدا ولا ينطق فسألته وكلمته فوجدته مجردا متوكلا يتكلم فيه بأحسن كلام ويأتي بأكمل بيان فلما أنس بي وسكن إلي قال لي يا أبا إسحاق إن كنت صادقا فيما تدعيه فالبحر بيننا حتى نعبر إلى الساحل وكنا في اللجج فقلت في نفسي واذلاه إن تأخرت عن هذا الكافر فقلت له قم بنا فما كان بأسرع بأن زج بنفسه في البحر ورميت بنفسي خلفه فعبرنا جميعا إلى الساحل فلما أن خرجنا قال يا إبراهيم نصطحب على شريطة ألا نأوي المساجد ولا البيع ولا الكنائس ولا العمران فنعرف فقلت لك ذلك حتى أتينا مدينة فأقمنا على مزبلة ثلاثة أيام فلما كان يوم الثالث أتاه كلب في فمه رغيفان فطرحهما بين يديه وانصرف فأكل ولم يقل لي شيئا ثم أتاني شاب ظريف نظيف حسن الوجه والبزة طيب الرائحة ومعه طعام نظيف في منديل فوضعه بين يدي وقال لي كل وغاب عني فلم أر له أثرا فقلت لليهودي هلم فلم يفعل ثم أسلم وقال لي يا إبراهيم أصلنا صحيح إلا أن الذي لكم أحسن وأصلح وأظرف وحسن إسلامه وصار أحد أصحابنا المتحققين بالتصوف .
حدثنا عبدالواحد ثنا أحمد بن العلاء قال سمعت محمد بن عبدالله يقول سمعت إبراهيم الخواص وقد سأله بعض أصحابنا وهو يتأوه ما هذا التأوه فقال أوه كيف يفلح من يسره ما يضره ثم أنشأ يقول ... تعودت مس الضر حتى ألفته ... وأحوجني طول البلاء إلى الصبر ... وقطعت أيامي من الناس آيسا ... لعلمي بصنع الله من حيث لا أدري ... وذكر خير النساج قال قال لي إبراهيم الخواض عطشت عطشا شديدا بالحاجر فسقطت من شدة العطش فإذا أنا بماء قد سقط على وجهي وجدت برده على فؤادي ففتحت عيني فإذا أنا برجل ما رأيت أحسن منه قط على فرش أشهب عليه ثياب خضر وعمامة صفراء وبيده قدح أظنه قال من ذهب