قال تأمر الحكمة بكل ما يحمد في الباقي أثره ويطيب عند جملة الناس خبره ويؤمن في العواقب ضرره قال فمن يستحق أن يوصف بالحكمة قال من إذا قال بلغ المداو الغاية فيما يتعرض لنعته بقليل القول ويسير الإشارة ومن لا يتعذر عليه من ذلك شيء مما يريد لأن ذلك عنده حاضر عتيد قال فبمن تأنس الحكمة وإلى من تستريح وتأوي قال إلى من انحسمت عن الكل مطامعه وانقطعت من الفضل في الحاجات مطالبه ومن اجتمعت همومه وحركاته في ذات ربه ومن عادت منافعه على سائر أهل دهره .
حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن يعقوب قال سمعت أبا القاسم الجنيد ابن محمد يقول إن لله عبادا صحبوا الدنيا بأبدانهم وفارقوها بعقود إيمانهم أشرف بهم علم اليقين على ما هم إليه صائرون وفيه مقيمون وإليه راجعون فهربوا من مطالبة نفوسهم الأمارة بالسوء والداعية إلى المهالك والمعينة للأعداء والمتبعة للهوى والمغموسة في البلاء والمتمكنة بأكناف الأسواء إلى قبول داعي التنزيل المحكم الذي لا يحتمل التأويل إذ سمعوه يقول يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لم يحييكم فقرع أسماع فهومهم حلاوة الدعوة لتصفح التمييز وتنسموا بروح ما أدته إليهم الفهوم الطاهرة من أدناس خفايا محبة البقاء في دار الغرور فأسرعوا إلى حذف العلائق المشغلة قلوب المراقبين معها وهجموا بالنفوس على معانقة الأعمال وتجرعوا مرارة المكابدة وصدقوا الله في معاملته وأحسنوا الأدب فيما توجهوا إليه وهانت عليهم المصائب وعرفوا قدر ما يطلبون واغتنموا سلامة الأوقات وسلامة الجوارح وأماتوا شهوات النفوس وسجنوا همومهم عن التلفت إلى مذكور سوى وليهم وحرسوا قلوبهم عن التطلع في مراقي الغفلة وأقاموا عليها رقيبا من علم من لا يخفى عليه مثقال ذذرة في بر ولا بحر ومن أحاط بكل شيء علما وأحاط به خبرا فانقادت تلك النفوس بعد اعتياصها واستبقت منافسة لأبناء جنسها نفوس ساسها وليها وحفظها بارئها وكلأها كافيها فتوهم يا أخي إن كنت ذا بصيرة ماذا يرد عليهم في وقت