للحارث كثيرا عزلتي وأنسى وتخرجني إلى وحشة رؤية الناس والطرقات فيقول لي كم تقول أنسي وعزلتي لو أن نصف الخلق تقربوا مني ما وجدت بهم أنسا ولو أن النصف الآخر تاوا عني ما استوحشت لبعدهم .
قرأت على أبي الحسين محمد بن علي بن حبيش الناقد الصوفي صاحب أبي العباس بن عطاء ببغداد سنة تسع وخمسين وثلثمائة من كتابه فأقر به قلت سمعت أبا القاسم الجنيد بن محمد يقول إن أول ما يحتاج إليه من عقد الحكمة تعريف المصنوع صانعه والمحدث كيف كان أحدثه وكيف كان أوله وكيف أحدث بعد موته فيعرف صفة الخالق من المخلوق وصفة القديم من المحدث فيعرف المربوب ربه والمصنوع صانعه والعبد الضعيف سيده فيعبده ويوحده ويعظمه ويدل لدعوته ويعترف بوجوب طاعته فإن من لم يعرف مالكه لم يعترف بالملك لمن استوجبه ولم يضف الخلق في تدبيره إلى وليه والتوحيد علمك وإقرارك بأن الله فرد في أوليته وأزليته لا ثاني معه ولا شيء يفعل فعله وأفعاله التي أخلصها لنفسه أن يعلم أن ليس شيء يضر ولا ينفع ولا يعطي ولا يمنع ولا يسقم ولا يبرى ولا يرفع ولا يضع ولا يخلق ولا يرزق ولا يميت ولا يحيي ولا يسكن ولا يحرك غيره جل جلاله فقد سئل بعض العلماء فقيل له بين التوحيد وعلمنا ما هو فقال هو اليقين فقيل له بين لنا فقال هو معرفتك أن حركات الخلق وسكونها فعل الله وحده لا شريك له فإذا فعلت ذلك فقد وحدته وتفسير ذلك أنك جعلت الله واحدا في أفعاله إذا كان ليس شيء يفعل أفعاله وإنما اليقين اسم للتوحيد إذا تم وخلص وإن التوحيد إذا تم تمت المحبة والتوكل وسمي يقينا فالتوكل عمل القلب والتوحيد قول العبد فإذا عرف القلب التوحيد وفع ما عرف فقد تم وقد قال بعض العلماء إن التوكل نظام التوحيد فإذا فعل ما عرف فقد جاء بالمحبة واليقين والتوكل وتم إيمانه وخلص فرضه لأنك إذا عرفت أن فعل الله لا يفعله شيء غير الله ثم تخاف غيره وترجو غيره لم تأت بالأمر الذي ينبغي فلو عملت ما عرفت لرجوت الله وحده حين عرفت أنه لا