العلو ومها من لا يطيق ذلك فيجعل الأسباب هي المؤدية إليهم الفهم وبها يستدرك فهم الخطاب فيكون منه الجواب أن لا يقف عند قوله وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم وهذه أماكن يضيق بسط العلم فيها إلا عند المفاوضة لأهل المحاضرة وفي الإشتغال بعلم مسالك الطرقات المؤدية إلى علوم أهل الخاصة الذين خلوا من خلواتهم وبرئوا من إرادتهم وحيل بينهم وبين ما يشتهون عصفت بهم رياح الفطنة فأوردتهم على بحار الحكمة فاستنبطوا صفو ماء الحياة لا يحذرون غائلة ولا يتوقعون نازلة ولا يشرهون إلى طلب بلوغ غاية بل الغايات لهم بدايات هم الذين ظهروا في باطن الخلق وبطنوا في ظاهره أمناء على وحيه حافظون لسره نافذون لأمره قائلون بحقه عاملون بطاعته يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون جرت معاملتهم في مبادئ أمورهم بحسن الأدب فيما ألزمهم القيام به من حقوقه فلم تبق عندهم نصيحة إلا بذلوها ولا قربة إلا وصلوها سمحت نفوسهم ببذل المهج عند أول حق من حقوقه في طلب الوسيلة إليه فبادرت غير مبقية ولا مستبقية بل نظرت إلى أن الذي عليها في حين بذلها أكثر بحالها مما بذلت لوائح الحق إليها مشيرة وعلوم الحق لديها غزيرة لا توقفهم لائمة عند نازلة ولا تثبطهم رهبة عند فادحة ولا تبعثهم رغبة عند أخذ أهبة بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء .
أخبرنا جعفر بن محمد بن نصر في كتابه وحدثني عنه عثمان قال سمعت الجنيد بن محمد يقول سئل الحارث بن أسد وقيل له رحمك الله ما علامة الأنس بالله قال التوحش من الخلق قيل له فما علامة التوحش من الخلق قال الفرار إلى مواطن الخلوات التفرد بعذوبة الذكر فعلى قدر ما يدخل القلب من الأنس بذكر اله يخرج التوحش كما قال بعض الحكماء في مناجاته يا من آنسني بذكره وأوحشني من خلقه وكان عند مسرتي أرحم عبرتي وفي قول الله تعالى لداود عليه السلام كن بي مستأنسا ومن