أكثرهم معرفة وأقواهم يقينا وأكملهم إيمانا كما جاء في الخبر أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل .
أخبرنا جعفر بن محمد بن نصير في كتابه وحدثني عنه عثمان بن محمد قال سمعت الجنيد بن محمد يقول سمعت أبا عبدالله الحارث بن أسد يقول وسأله سائل إن النعم من الله تعالى على لا تحصى ظاهرة وباطنة وعامة وخاصة صغيرة وكبيرة في كل أحوالي ومع كل أسبابي ومع كل شيء من بدني وجوارحي وعقلي وطبعي وحياتي وعيشي وكل ما أتقلب فيه وكل منفعة تحدث في ديني ودنياي وكل ليل ونهار يختلف علي وشمس وقمر وسائر الأشياء نعم علي إلا أني أجدني في أكثرها غافلا عن شكره عليها إلا النعمة العظيمة كالكرب ينزل بي فيفرج الله عني كربي وينفس عني غمي وكالمال الكثير يرزقني فإن عظمت النعمة انتبهت لعظيم قدرها وموقع منفعتها لي فانتبهت للشكر وذكرت أنها من الله تفضل وحمدته عليها وسائر النعم لقلة قدرها أنسى أنها نعمة فإن ذكرت أنها نعمة ذكرتها ذكرا بغير تعظيم لها ولم تهج شدة الشكر عليها حتى لقد نسيت الشكر عند أكثر النعم إلا عند الفرج من الكرب أو النعمة العظيمة في المنفعة فقال الحارث هذا فعل عامة العباد من الجاهلين يعاملون الله على قدر عظيم إحسانه وقلته وإن أكثر ما قل من النعم لربما كان أكثر منفعة من عظيمها وربما كان عظيمها يعقب ضرارا في الدين أوفى الدنيا ولربما كان إحسان الله في النعمة الصغيرةأكثر من النعمة في كبيرها لعاقبة منفعتها ولربما عظمت النعمة من سعة الدنيا فيطغى صاحبها وتشغله حتى يعصى الله فيدخل النار ولو كانت النعمة أقل من ذلك لما أطغته ولا ألزمته كثرة الفرائض فيها فلا يقوم بها كمن كثرت الحقوق عليه لله في السعة فلم يقم بحقه من أداء الزكاة في مواضعها بغير مكافأة ليد الفقير عنده ولا اجتلاب حمد ولا ثناء ولا مخافة ذم وكذلك صلة القرابة والجار المحتاج البين حاجته وغير ذلك وربما ضرته السعة في الدنيا دون الدين وربما قتله كثرة ماله من لصوص