تلك الوليمة أشدهم تجويعا لنفسه ومخالفة لها فانه ليس أمر من أمور الطاعة إلا وأنتم تحتاجون أن تخرجوه من بين ضدين مختلفين بجهد شديد وسأظهر لكم هذا الأمر فأني وجدت أمر الإنسان أمرا عجيبا قد كلف الطاعة على خلاف ما كلف سائر الخلق من أهل الأرض والسماء فأحسن النظر فيه وليكن العمل منك فيه على حسب الحاجة منك إليه واستعن بالله فنعم المعين واعلم أنك لم تسكن الدنيا لتتنعم فيها جاهلا وعن الآخرة غافلا ولكنك أسكنتها لتتعبد فيها عاقلا وتمتطي الأيام إلى ربك عاملا فإنك بين دنيا وآخرة ولكل واحدة منهما نعيم وفي وجود احداهما بطول الأخرى فانظر أن تحسن طلب النعيم فقد حكى عن إبراهيم بن أدهم أنه قال غلط الملوك طلبوا النعيم فلم يحسنوا وعلى حسب إقتراب قلبك من الدنيا يكون بعدك من الله وعلى حسب بعد قلبك من الدنيا يكون قربك من الله وكما كان معدوما وجود نفسك في مكانين فكذلك معدوم وجود قلبك في دارين فإن كنت ذا قلبين فدونك اجعل أحدهما للدنيا وأحدهما للآخرة وإن كنت ذا قلب واحد فإجعله لأولى الدارين بالنعيم والمقام والبقاء والانعام واعلم أن النفس والهوى لا تقهران بشيء أفضل من الصوم الدائم وهو بساط العبادة ومفتاح الزهد وطلع ثمرات الخير وأجساد العمال من شجراته دائم الجذاذ دائم الاطعام وهو الطريق إلى مرتبة الصديقين وما دونه فمزرعة الأعمال فثمر غرسها وربيع بذرها في تركها وفقدها في أخذها وليس معنى الترك الخروج من المال والأهل والولد ولكن معنى الترك العمل بطاعة الله وإيثار ما عند الله عليها مأخوذة ومتروكة فهذا معنى الترك لا ما تدعيه المتصوفة الجاهلون أنت من الدنيا بين منزلتين فإن زويت عنك كفيت المؤنة وإن صرفت إليك ألزمتها طاعة مولاك وإن كانت طاعتك لله في شأنها تصلحها ومعصيتك لله في أمرها يفسدها فدع عنك لوم الدنيا واحفظ من نفسك وعملك ما فيه صلاحها فإن المطيع فيها محمود عند الله إنما تلزمه التهمة وعيب الأخذ لها إذا خان الله فيها لأن الدنيا مال الله والخلق عباد الله وهم في هذا المال صنفان خونة وأمناء فإذا وقع المال في