وشبابها يهرم وحيها يموت فلا يغرنكم إقبالها مع معرفتكم بسرعة إدبارها والمغرور من إغترابها أين سكانها الذين بنوا مدائنها وشققوا أنهارها وغرسوا أشجارها وأقاموا فيها أياما يسيرة غرتهم بصحتهم وغروا بنشاطهم فركبوا المعاصي إنهم كانوا والله في الدنيا مغبوطين بالأموال على كثرة المنع عليه محسودين على جمعه ما صنع التراب بأبدانهم والرمل بأجسادهم والديدان بعظامهم وأوصالهم كانوا في الدنيا على أسرة مهدة وفرش منضدة بين خدم يخدمون وأهل يكرمون وجيران يعضدون فاذا مررت فنادهم ان كنت مناديا وادعهم ان كنت لا بد داعيا ومر بعسكرهم وانظر الى تقارب منازلهم التي كان بها عيشهم وسل غنيهم ما بقي من غناه وسل فقيرهم ما بقي من فقره وسلهم عن الألسن التي كانوا بها يتكلمون وعن الأعين التي كانت إلى اللذات بها ينظرون وسلهم عن الجلود الرقيقة والوجوه الحسنة والأجساد الناعمة ما صنع بها الديدان محت الألوان وأكلت اللحمان وعفرت الوجوه ومحت المحاسن وكسرت الفقار وأبانت الأعضاء ومزقت الأشلاء وأين حجالهم وقبابهم وأين خدمهم وعبيدهم وجمعهم ومكنوزهم والله ما زودوهم فراشا ولا وضعوا هناك متكأ ولا غرسوا لهم شجرا ولا أنزلوهم من اللحد قرارا أليسوا في منازل الخلوات والفلوات أليس الليل والنهار عليهم سواء أليس هم في مدلهمة ظلماء قد حيل بينهم وبين العمل وفارقوا الأحبة فكم من ناعم وناعمة أصبحوا ووجوههم بالية وأجسادهم من أعناقهم نائية وأوصالهم ممزقة قد سالت الحدق على الوجنات وامتلأت الأفواه دما وصديدا ودبت دواب الأرض في أجسادهم ففرقت أعضائهم ثم لم يلبثوا والله إلا يسيرا حتى عادت العظام رميما قد فارقوا الحدائق فصاروا بعد السعة الى المضايق قد تزوجت نساؤهم وترددت في الطريق أبناؤهم وتوزعت القرابات ديارهم وتراثهم فمنهم والله الموسع له في قبره الغض الناضر فيه المتنعم بلذته يا ساكن القبر غدا ما الذي غرك من الدنيا هل تعلم أنك تبقى أو تبقى لك