[379] ثالثا - كارل بروكلمن في كتابه تاريخ الشعوب الاسلامية قال: وأغلب الظن أن محمدا قد انصرف إلى التفكير في المسائل الدينية في فترة مبكرة جدا. وهو أمر لم يكن مستغربا عند أصحاب النفوس الصافية من معاصريه الذين قصرت العبادة الوثينة عن إرواء ظمأهم الروحي. وتذهب الروايات إلى انه اتصل في رحلاته ببعض اليهود والنصارى، أما في مكة نفسها فلعله اتصل بجماعات من النصارى كانت معرفتهم بالتوراة والانجيل هزيلة إلى حد بعيد. ومع الايام أخذ الايمان بالله يعمر قلبه ويملك عليه نفسه، فيتجلى له فراغ الآلهة الأخرى. ولكنه على ما يظهر اعترف في السنوات الاولى من بعتته بالهة الكعبة الثلاث اللواتي كان مواطنوه يعتبرونها بنات الله ولقد أشار اليهن في إحدى الايات الموحاة إليه بقوله: " تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن ترتضي ". أما بعد ذلك حين قوي شعور النبي بالوحدانية فلم يعترف بغير الملائكة شفعاء عند الله، وجاءت السورة الثالثة والخمسون وفيها انكار لان تكون الالهة بنات الله. ولم يستطع التقليد المتأخر أن يعتبر ذلك التسليم إلا تحولا أغراه به الشيطان، ولذلك أرجئت حوادثه إلى أشد أوقات النبي ضيقا في مكة، ثم ما لبث أن أنكره وتبرأ منه في اليوم التالي (1). ________________________________________ (1) تاريخ الشعوب الاسلامية، كارل بروكلمن، تعريب نبيه أمين فارس ومنير البعلبكي، الطبعة السابعة 1977، بيروت، دار العلم للملايين. ________________________________________