[393] وأن هذه سنة الله في خلقه، (ولن تجد لسنة الله تبديلا) (6). كل هذا يدلنا دلالة قاطعة على أن جلال الاسلام في مبادئه ومثله وليس في أشخاصه. وأن جلالة الاسلام لا يتأثر بالاشخاص مهما واطأوا على تأييده أو تواطأوا على هدمه. أقول: ولو أن أهل الارض جميعا ومثلهم معهم أجمعوا على حرب الاسلام ومناصبته العداء ما نقصوه شيئا من جلاله، ولو أن أهل الارض جميعا ومثلهم معهم اعتنقوا مبادئه ما زادوه جلالا على جلاله. فسر هذا الاسلام في مبادئه المثالية، وسر هذه المبادئ مشخص في ذات المبادئ نفسها وليس في الاشخاص. وهذه لفتة لا يدركها إلا الراسخون في العلم. ومن ثم فإنه لا يضير الاسلام بحال من الاحوال أن يعرض الصحابة للنقد، وأن يتناول الباحثون أقوالهم وسير حياتهم وسلوكهم بالتنفيذ والتحليل. بل إن الاسلام الذي وضع مبادئ العدالة في الاحكام ومبادئ المساواة بين الاشخاص يبيح ذلك النقد وذلك التحليل، بل يحث عليه ويأمر به مادام ذلك النقد قصد به السعي وراء الحقيقة والدعوة إلى الطريق السوي. وما لنا نذهب بعيدا عن هذا الذي نقصد إليه ونتوخاه ! وقد رسم لنا المصلح الاكبر محمد عليه السلام هذا المنهاج العادل في الحكم على الناس جميعا، حين حثنا بطريق مباشر وغير مباشر [على] أن نستمسك بكلمة الحق لذاتا دون مراعاة للاشخاص، وأن ننصر الحق وإن كان في جانب الضعيف الحقير، وأن نكيد للباطل وإن كان في جانب القوي العظيم، وأن لا نفرق بين الشريف والوضيع في تنفيذ حدود الله تعالى: وقد جاء في الاحاديث الصحيحة أن أسامة بن زيد وهو حب رسول الله وابن حبه استشفع عنده في امرأة من اشراف قريش سرقت، ولكن المصلح الاكبر أبى أن يعطل حكم الله فيها، وأرسل قالته المشهورة الخالدة: ________________________________________ (6) سورة الاحزاب الآية 62. ________________________________________