[34] إن أول بيئة ظهر فيها التشيع هي المدينة المنورة - يثرب -، إذ بعدما هاجر إليها الرسول صلى الله عليه وآله من مكة مع ثلة من أصحابه والذين سموا فيما بعد بالمهاجرين، كان من بينهم أخوه وابن عمه علي بن أبي طالب، وبعض ممن أيده وناصره من قريش. ولما تركزت الدعوة الاسلامية، وأرست قواعدها في المدينة المنورة، واقيمت فيها الدولة الاسلامية وعلى رأسها النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم - أنذاك - استوطنتها العوائل وبالذات قريش، واتخذتها المقر الدائم لها. ومن قريش الذين سكنوا في المدينة، أولاد عبد المطلب: عبد الله، والعباس، وأبو طالب، وجعفر، وعقيل، والحارث، وغيرهم. لقد اهتم الرسول صلى الله عليه وآله بقريش لما توجه الخطاب إليه من إعلان دعوته إلى الناس على أن يبدأ بعشيرته، فقال تعالى: " وانذر عشيرتك الاقربين... " (1). فلما نزلت هذه الآية أمر النبي عليا أن يهئ له طعاما، وهو رجل شاة وعشرة أقراص من الخبز وقعبا (2) من اللبن، ثم دعا قومه من آل هاشم وهم: بنو عبد المطلب، وكانوا أنذاك أربعين رجلا، يزيدون واحدا أو ينقصونه مثله، فقدم لهم ذلك الطعام، فأكلوا منه حتى شبعوا، وبقي الطعام على حاله كأن لم تمد إليه الايدي، وأن الواحد منهم ليأكل الجذعة (3) ويشرب الفرق (4). ثم قال لهم: " أيكم يؤازرني ليكون أخي ووارثي ووزيري ووصيي وخليفتي فيكم بعدي "، - قالها ثلاثا - فلما ________________________________________ (1) الشعراء: 214. (2) القعب: القدح الضخم، الغليظ، الجافي. لسان العرب: مادة " قعب ". (3) الجذعة هنا، هو البعير إذا استكمل أربعة أعوام ودخل في السنة الخامسة. لسان العرب: مادة " جذع ". (4) الفرق والفرق مكيال ضخم لاهل المدينة معروف. لسان العرب: مادة " فرق ". ________________________________________