[350] وكان قد سبقه جماعة إلى الاسلام وكتابه، وهم بين حكم النبي ومحكماته وإفاضاته وتعاليمه، وهم لا يبارحون منتديات النبوة وهتافها بالتنزيل والتأويل الصحيح الثابت، قضوا على ذلك أعواما متعاقبة ومددا كثيرة فلم يتسن لهم الحصول على أكثر تلكم المبادي وانكفؤا عنها صفر الأكف، خاوين الوطاب، انظر إلى ذلك الذي حفظ سورة البقرة في اثنى عشرة سنة، حتى إذا تمكن من الحفظ بعد ذلك الأجل المذكور نحر جزورا شكرا على ما أتيح له من تلك النعمة بعد جهود جبارة، والله يعلم ما عاناه طيلة تلكم المدة من عناء ومشقة، وهذا الرجل ثان الأمة عند القوم في العلم والفضيلة، وكان من علمه بالكتاب إنه لم يع تنصيصه على موت النبي صلى الله عليه وآله فلما سمع قوله تعالى: إنك ميت وإنهم ميتون. ألقى السيف من يده، وسكنت فورته، وأيقن بوفاته صلى الله عليه وآله كمن لم يقرأ الآية الكريمة إلى حينه، وإن تقس موارد علمه بالكتاب ونصوصه قضيت منها العجب، وأعيتك الفكرة في مبلغ فهمه، وماذا الذي كان يلهيه عن الخبرة بأصول الاسلام وكتابه ؟ ولئن راجعت فيما يؤل إلى هذا الموقف (الجزء السادس) من هذا الكتاب رأيت العجب العجاب. وليس من البعيد عنه أول رجل في الاسلام عند القوم الذي بلغ من القصور والجهل بالمبادي والخواتيم والأشكال والنتايج حدا لا يقصر عنه غمار الناس والعاديين منهم الذين أشرقت عليهم أنوار النبوة منذ بذوغها، ولعلك تجد في الجزء السابع من هذا الكتاب ما يلمسك باليد يسيرا من هذه الحقايق. وأنت إذن في غنى عن استحفاء أخبار كثير من أولئك الأولين الذين لا تعزب عنك أنبائهم في الفقه والحديث والكتاب والسنة، فكيف بمثل معاوية الملتحق بالمسلمين في أخريات أيامهم ؟ وكانت تربيته في بيت حافل بالوثنية، متهالك في الظلم والعدوان، متفان في عادات الجاهلية، ترف عليه رايات العهارة وأعلام البغاء، وإذا قرع سمع أحدهم دعاء إلى وحي أو هتاف بتنزيل جعل إصبعه في أذنه، وراعته من ذلك خاطرة جديدة لم يكن يتهجس بها منذ آباءه الأولين. نعم: المعروفون بعلم الكتاب على عهد الصحابة أناس معلومون، وكانوا مراجع الأمة في مشكلات القرآن ومغازيه وتنزيله وتأويله كعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن - العباس، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت. ________________________________________