[37] يصلحه الخير أصلحه الشر، مالك لا تقول كما كنت تقول لسعيد ومعاوية ؟ فيقولون: نتوب إلى الله، أقلنا أقالك الله، فما زال ذاك دأبه ودأبهم حتى قال: تاب الله عليكم. فكتب إلى عثمان يسترضيه عنهم ويسأله فيهم فردهم إلى الكوفة. تاريخ الطبري 5: 88 - 90، الكامل لابن الأثير 3: 57 - 60، شرح ابن أبي الحديد 1: 158 - 160 ورأى هذه الصورة أصح ما ذكر في القضية، تاريخ ابن خلدون 2: 387 - 389، تاريخ أبي الفدا ج 1: 168 في حوادث سنة 33. قال الأميني: كان في عظمة أكثر هؤلاء القوم وصلاحهم المتسالم عليه وتقواهم المعترف بها مرتدع من أذاهم وإجفالهم عن مستوى عزهم وموطن إقامتهم وتسييرهم من منفي إلى منفى، والاصاخة إلى سعاية ذلك الشاب المستهتر والله سبحانه يقول: إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين (1) وكان على الخليفة أن يبعث إليه باللائمة بل يعاقبه على ما فرط في جنب أولياء الله بتسميته إياهم السفهاء وهم قراء المصر، وزعماء الملأ، ونساك القطر، وفقهاء القارة، وهم القدوة في التقوى والنسك، وبهم الأسوة في الفقه والأخلاق، ولم يكن عليهم إلا عدم التنازل لميول ذلك الغلام الزائف، وعدم مماشاتهم إياه على شهواته ومزاعمه، وهلا أستشف الخليفة حقيقة ما شجر بينه وبين القوم حتى يحكم فيه بالحق، لكنه بدل أن يتخذ تلكم الطريقة المثلى في القضية استهواه ذلك الشاب المترف فمال إليه بكله، ونال من القوم ما نال، وأوقع بهم ما حبذه له الحب والمعمي والمصم، لكن الدين وملأه أنكرا ذلك عليه وحفظه التاريخ مما نقم به على عثمان. كانت لائمة معاوية للقوم مزيجها الملاينة لاعن حلم، وخشونة لا يستمر عليها، كل ذلك لم يكن لنصرة حق أو ابتغاء إصلاح، وإنما كان يكاشفهم جلبا لمرضاة الخليفة، ويوادعهم لما كان يدور في خلده من هوى الخلافة غدا، وكان يعرف القوم بالشدة والمتبوعية، فما كان يروقه قطع خط الرجعة بينه وبينهم متى تسنى له الحصول على غايته المتوخاة، وكانت هذه الخواطر لا تبارحه، ولا يزال هو يعد الدقائق والثواني للتوصل إليها، وكان أحب الأشياء إليه اكتساح العراقيل دونها، ولذلك أطلق سراح ________________________________________ (1) سورة الحجرات: 6. ________________________________________