[54] من البلايا، والمنايا، والقضايا، وإعلامهم الناس بشئ من ذلك، إلى أمر المولى سبحانه ورخصته، وإنما العلم، والعمل به، وإعلام الناس بذلك، مراحل ثلاث لا دخل لكل مرحلة بالأخرى، ولا يستلزم العلم بالشئ وجوب العمل على طبقه، ولا ضرورة الاعلام به، ولكل منها جهات مقتضية ووجوه مانعة لا بد من رعايتها، وليس كلما يعلم يعمل به، ولا كلما يعلم يقال. قال الحافظ الأصولي الكبير الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الشهير بالشاطبي المتوفى 790 في كتابه القيم [الموافقات في أصول الأحكام] ج 2 ص 184: لو حصلت له مكاشفة بأن هذا المعين مغصوب أو نجس، أو أن هذا الشاهد كاذب، أو أن المال لزيد، وقد تحصل [للحاكم] بالحجة لعمرو، أو ما أشبه ذلك، فلا يصح له العمل على وفق ذلك ما لم يتعين سبب ظاهر، فلا يجوز له الانتقال إلى التيمم، ولا ترك قبول الشاهد ولا الشهادة بالمال لذي يد على حال، فإن الظواهر قد تعين فيها بحكم الشريعة أمر آخر، فلا يتركها اعتمادا على مجرد المكاشفة أو الفراسة، كما لا يعتمد فيها على الرؤيا النومية، ولو جاز ذلك لجاز نقض الأحكام بها وإن ترتبت في الظاهر موجباتها، وهذا غير صحيح بحال فكذا ما نحن فيه، وقد جاء في الصحيح: إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأحكم له على نحو ما أسمع منه. الحديث. فقيد الحكم بمقتضى ما يسمع وترك ما وراء ذلك، وقد كان كثير من الأحكام التي تجري على يديه يطلع على أصلها وما فيها من حق وباطل، ولكنه عليه الصلاة والسلام لم يحكم إلا على وفق ما سمع، لا على وفق ما علم (1) وهو أصل في منع الحاكم أن يحكم بعلمه، وقد ذهب مالك في القول المشهور عنه: إن الحاكم إذا شهدت عنده العدول بأمر يعلم خلافه، وجب عليه الحكم بشهادتهم إذا لم يعلم تعمد الكذب، لأنه إذا لم يحكم بشهادتهم كان حاكما بعلمه، هذا مع كون علم الحاكم مستفادا من العادات التي لا ريبة فيها لا من الخوارق التي تداخلها أمور، والقائل ________________________________________ (1) قال السيد محمد الخضر الحسين التونسي في تعليق الموافقات: لا يقضي عليه الصلاة والسلام بمقتضى ما عرفه من طريق الباطن كما حكى القرآن عن الخضر عليه السلام حتى يكون للأمة في أخذه بالظاهر أسوة حسنة. إلى أن قال: والحكم بالظاهر وإن لم يكن مطابقا للواقع ليس بخطأ لأنه حكم بما أمر الله. ________________________________________