[195] اعتقد يا عزيزي لو انك رجعت إلى ما ذكرته في السقيفة عن دوافعهم على تنكيرهم لكان لك مقنعا كافيا. وأما قولك: " فقد كان الاولى أن لا تغيب عن فطنة رسول الله وهو المؤيد بالوحي فلا يأمر بأمر امته يعلم سلفا بأنهم لا يطيعونه فيه فيعرضهم بذلك إلى غضب الله... " فاني أقول كيف يغيب عن فطنتك قوله تعالى: " فان تولوا فانما عليك البلاغ المبين ". وقوله: " ان انت إلا نذير ". وقوله: " ولا تذهب نفسك عليهم حسرات... " وأمثال ذلك في القرآن كثير. وفي الحقيقة ان الرسول عليه ان يبلغ الامر الالهي وليس عليه أن لا يطيعه الناس. ولا يصح أن يتنازل عنه لمجرد انه يعلم سلفا انهم لا يطيعونه، وإلا لوجب ان يترك كثيرا من الاحكام أو كلها لانه يعلم سلفا انهم - كلهم أو بعضهم لا فرق - لا يطيعونه. ومن المواقع التي يعلم سلفا انهم لا يطيعونه فيها ومع ذلك بلغها قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة " فانه اجمع المفسرون وأهل الحديث انه لم يعمل بهذا الحكم إلا علي عليه السلام (1). يا عزيزي إن الله تعالى يقول: " وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين " ثم يقول عن المؤمنين بالخصوص: " وما يؤمن اكثرهم بالله إلا وهم مشركون " فإذا كان تعالى يعلم سلفا ورسوله يعلم سلفا أن الناس اكثرهم لا يؤمنون وأن يؤمنون أكثرهم في ايمانهم مشركون، فيكون - على قولك - ارسال الرسل وتبليغ الاحكام للناس من قبلهم تعريضا ________________________________________ (1) هذا الحديث مما ترك روايته البخاري ومسلم أيضا واستدركه عليهما ________________________________________