[ 52 ] أفاده محمد صلى الله عليه واله لخديجة من الشام، فذهلت عقول قريش لذلك، فلما اجتمعت أموال خديجة فكوا رحالها، وعرضوا الجميع على خديجة وكانت جالسة خلف الحجاب، والنبي صلى الله عليه واله جالس وسط الدار، وميسرة يعرض عليها الامتعة شيئا فشيئا، فنظرت خديجة إلى شئ قد أدهشها، فبعثت إلى أبيها تعرفه بذلك، وترغبه في محمد صلى الله عليه واله، فلم تك إلا ساعة واحدة وإذا بخويلد قد أقبل ودخل منزل ابنته خديجة، وهو متزين بالثياب، متقلد سيفا، فلما نظرت إليه قامت وأجلسته إلى جنبها، وابتدأته بالترحيب، وجعلت تعرض عليه البضائع، وهي تقول: يا أبت هذا كله ببركة محمد صلى الله عليه واله، والله يا أبتاه إنه مبارك الطلعة، ميمون الغرة فما ربحت ربحا أغنم (1) من هذه السفرة، ثم التفت إلى ميسرة وقالت: حدثني كيف كان سفركم ؟ وما الذي عاينتم من محمد صلى الله عليه واله ؟ قال: يا سيدتي وهل اطيق أن أصف لك بعضا من صفاته وما عاينت منه صلى الله عليه واله ؟ ثم أخبرها بحديث السيل، والبئر، والثعبان، والنخل، وما أخبره الراهب، وما أوصاه إلى خديجة، فقالت: حسبك يا ميسرة: لقد زدتني شوقا إلى محمد صلى الله عليه واله، إذهب فأنت حر لوجه الله، وزوجتك وأولادك، ولك عندي ما تادرهم، وراحلتان، وخلعت عليه خلعة سنية، وقد امتلا سرورا وفرحا، ثم إن خديجة التفتت إلى النبي صلى الله عليه واله وقالت: ادن مني فلا حجاب اليوم بيني وبينك، ثم رفعت عنها الحجاب، وأمرت أن ينصب له كرسي من العاج والآبنوس، وأجلسته عليه، وقالت: يا سيدي كيف كان سفركم ؟ فأخذ يحدثها بما باعه وما شراه، فرأت خديجة ربحا عظيما، وقالت: يا سيدي لقد فرحتني بطلعتك، وأسعدتني برؤيتك، فلا لقيت بؤسا، ولا رأيت نحوسا، ثم جعلت تقول: شعرا: فلو أنني أمسيت في كل نعمة * ودامت لي الدنيا وملك الاكاسرة فما سويت عندي جناح بعوضة * إذا لم يكن عيني لعينك (2) ناظرة قال: ثم إن خديجة قالت: يا سيدي لك عندي حق البشارة زيادة على ما كان بيننا فهل لك الساعة من حاجة فتقضى ؟ قال صلى الله عليه واله: حتى أستريح وأعود إليك، ثم خرج و ________________________________________ (1) أعظم خ ل، وهو الموجود في المصدر. (2) لعينيك خ ل. ________________________________________