[ 41 ] إلا قليلا وإذا الركب قد أقبل وحول البئر قد نزلوا، وحطوا الاحمال عن الجمال، وكان النبي صلى الله عليه واله يحب الخلوة بنفسه، فأقبل تحت الشجرة فاخضرت وأثمرت من وقتها وساعتها، فما استقر بهم الجلوس حتى قام النبي صلى الله عليه واله فمشى إلى البئر فنظر إليها واستحسن عمارتها، وتفل فيها فتفجرت منها عيون كثيرة، ونبع منها ماء معين، فلما رأى الراهب ذلك قال: يا أولادي هذا هو المطلوب فبادروا بصنع الولائم من أحسن الطعام لنتشرف بسيد بني هاشم، فإنه سيد الانام، لنأخذ منه الذمة (1) لسائر الرهبان، فبادر القوم لامره طائعين، وصنعوا الولائم، وقال لهم: انزلوا إلى أمير هذا القوم (2) وقولوا له: إن أبانا يسلم عليك، ويقول لك: إنه قد عمل (3) وليمة وهو يسألك أن تجيبه وتأكل من زاده، فنزل بعض الرهبان فما رأى أحسن من أبي جهل لعنه الله، ولم ير رسول الله صلى الله عليه وآله، فأخبر أبا جهل بمقالة الراهب، فنادى في العرب: إن هذا الراهب قد صنع لاجلي وليمة، واريد أن تجيبوا لدعوته (4)، فقال القوم: من نترك عند أموالنا ؟ فقال أبو جهل: اجعلوا محمدا عند أموالنا فهو الصادق الامين، وفي هذا المعنى قيل: شعر: ومناقب شهد العدو بفضلها * والفضل ما تشهد به الاعداء فسار القوم إلى النبي صلى الله عليه واله وسألوه أن يجلس عند متاعهم. وسار القوم إلى الراهب يتقدمهم أبو جهل لعنه الله، وقد أعجب بنفسه، فلما دخلوا الدير أحضر (5) لهم الطعام وناداهم بالرحب والاكرام، فأخذ القوم في الاكل، وأخذ الراهب القلنسوة جعل ينظر فيه ويدور على القوم رجلا رجلا (6)، وجعل ينظر فيهم رجلا رجلا، فلم ير صفة النبي ________________________________________ (1) الذمم خ ل. (2) الركب خ ل. (3) في المصدر: عمل لك. وفيه: أن تجيب عزيمته وتأكل وليمته. (4) في المصدر: أن تجيبوا عزيمته. وتأكلوا من وليمته. (5) أحضروا. (6) وأخذ الراهب السفر في يده وهو ينظر فيه ويدور على القوم رجلا خ ل وهو الموجود في المصدر. ________________________________________