[ 25 ] فرمقت (1) خديجة رمق الهوى، ونزل بها دهش الجوى (2)، وقالت: افتحي لهم الباب، وأخبري ميسرة يعتد لهم المساند والوسائد، فإني أرجو أن يكونوا قد أتوني بحبيبي محمد، ثم قالت شعرا: ألذ حياتي وصلكم ولقاكم * ولست ألذ العيش حتى أراكم وما استحسنت عيني من الناس غيركم * ولا لذ في قلبي حبيب سواكم على الرأس والعينين جملة سعيكم * ومن ذا الذي في فعلكم قد عصاكم (3) فها أنا محسوب (4) عليكم بأجمعي * وروحي ومالي يا حبيبي فداكم وما غيركم في الحب يسكن مهجتي * وإن شئتم تفتيش قلبي فهاكم قال صاحب الحديث: وبسط لهم ميسرة المجلس بأنواع الفرش فما استقر بالقوم الجلوس إلا وقد قدم لهم أصناف الطعام والفواكه من الطائف والشام، فأكلوا وأخذوا في الحديث، فقالت لهم خديجة من وراء الحجاب بصوت عذب، وكلام رطب: يا سادات مكة أضاءت بكم الديار، وأشرقت بكم الانوار، فلعل لكم حاجة فتقضى، أو ملمة (5) فتمضى، فإن حوائجكم مقضية، وقناديلكم مضيئة، فقال أبو طالب رضي الله عنه: جئناك في حاجة يعود نفعها إليك، وبركتها عليك، قالت: يا سيدي وما ذلك ؟ قال: جئناك في أمر ابن أخي محمد، فلما سمعت ذلك غاب (6) رشدها عن الوجود، وأيقنت بحصول المقصود، وقالت شعرا: بذكر كم يطفئ الفؤاد من الوقد * ورؤيتكم فيها شفا أعين الرمد ومن قال: إني أشتفي (7) من هواكم * فقد كذبوا لو مت فيه من الوجد وما لي لا أملا سرورا بقربكم * وقد كنت مشتاقا إليكم على البعد ________________________________________ (1) رمق: أطال النظر. (2) الجوى: شدة الوجد من حزن أو عشق. (3) فيما أردتم عصاكم خ ل. (4) محبوب خ ل. (5) الملمة: النازلة الشديدة من نوازل الدنيا. (6) غابت عن الوجود خ ل. وهو الموجود في المصدر. (7) أشتكى لهواكم خ ل. ________________________________________