[ 446 ] الذي يطهر الارض من جالوت وجنوده، وكانت الشيعة يعلمون أنه قد ولد وبلغ أشده وكانوا يرونه ويشاهدونه ولا يعلمون أنه هو، فخرج داود عليه السلام وإخوته وأبوهم لما فصل طالوت بالجنود، وتخلف عنهم داود، وقال: ما يصنع بي في هذا الوجه ؟ واستهان به إخوته وأبوه وأقام في غنم أبيه يرعاها، فاشتدت الحرب وأصاب الناس جهد فرجع أبوه وقال لداود: احمل إلى إخوتك طعاما يتقوون به على العدو، وكان عليه السلام رجلا قصيرا، قليل الشعر، طاهر القلب، أخلاقه نقية، فخرج والقوم متقاربون بعضهم من بعض قد رجع كل واحد منهم إلى مركزه، فمر داود على حجر فقال الحجر له بنداء رفيع: يا داود خذني فاقتل بي جالوت، فإني إنما خلقت لقتله، فأخذه ووضعه في مخلاته التي كانت يكون فيها حجارته التي كان يرمي بها غنمه، فلما دخل العسكر سمعهم يعظمون أمر جالوت، فقال لهم: ما تعظمون من أمره ؟ فو الله إن عاينته لاقتلنه، فتحدثوا بخبره حتى ادخل على طالوت، فقال له: يا فتى ما عندك من القوة وما جربت من نفسك ؟ قال: قد كان الاسد يعدو على الشاة من غنمي فادركه وآخذ برأسه واقلب لحيه عنها (1) فاخذها من فيه، وقد كان الله تبارك وتعالى أوحى إلى طالوت أنه لا يقتل جالوت إلا من لبس درعك فملاها، فدعا بدرعه فلبسها داود فاستوت عليه، فراع ذلك طالوت (2) ومن حضره من بني إسرائيل، فقال: عسى الله أن يقتل جالوت به، فلما أصبحوا والتقى الناس قال داود: أروني جالوت، فلما رآه أخذ الحجر فرماه به فصك به بين عينيه فدمغه وتنكس عن دابته، فقال الناس: قتل داود جالوت، وملكه الناس (3) حتى لم يكن يسمع لطالوت ذكر، واجتمعت عليه بنو إسرائيل وأنزل الله تبارك وتعالى عليه الزبور، وعلمه صنعة الحديد فلينه له، وأمر الجبال والطير أن تسبح معه، وأعطاه صوتا لم يسمع بمثله حسنا، واعطي قوة في العبادة، وأقام في بني إسرائيل نبيا. ثم إن داود عليه السلام أراد أن يستخلف سليمان عليه السلام لان الله عزوجل أوحى إليه ________________________________________ (1) في المصدر: وأفك لحييه عنها. وهو الاصح. كما يأتي في خبر الحلبي أيضا. (2) راعه الامر: أفزعه. أعجبه. (3) أي صيروه ملكا. ________________________________________