[46] ذللا، يهلون لله حوله، ويرملون (1) على أقدامهم، شعثا غبرا له، قد نبذوا السرابيل (2) وراء ظهورهم، وشوهوا باعفاء الشعور محاسن خلقهم، إبتلاء عظيما وامتحانا شديدا واختبارا مبينا وتمحيصا بليغا جعله الله تعالى سببا لرحمته، ووصلة إلى جنته، و لو أراد الله سبحانه أن يضع بيته الحرام ومشاعره العظام، بين جنات وأنهار وسهل وقرار، جم الاشجار، داني الثمار ملتف البنى (3) متصل القرى، بين برة سمراء (4) وروضة خضراء، وأرياف محدقة، وعراص مغدقة، وزروع ناضرة وطرق عامرة، لكان قد صغر قدر الجزاء على حسب ضعف البلاء، ولو كان الاساس المحمول عليها، والاحجار المرفوع بها بين زمردة خضراء وياقوته حمراء ونور وضياء لخفف ذلك مصارعة الشك في الصدور، ولوضع مجاهدة إبليس عن القلوب ولنفى معتلج (5) الريب من الناس ولكن الله يختبر عباده بأنواع الشدائد، ويتعبدهم بألوان المجاهد، ويبتليهم بضروب المكاره، إخراجا للتكبر من قلوبهم، و إسكانا للتذلل في نفوسهم، وليجعل ذلك أبوابا فتحا (6) إلى فضله، وأسبابا ذللا لعفوه (7). أقول: قد مر بتمامه مشروحا في كتاب النبوة. 36 - دعائم الاسلام: روينا، عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام أنه قال في قول الله: " وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الارض خليفة قالوا أتجعل ________________________________________ (1) الرمل: بالتحريك ضرب من السير فوق المشى ودون الجرى وهو الهرولة. (2) السرابيل: الثياب واحدها سربال بكسر السين المهملة فسكون الراء. (3) ملتف البنى: كثير العمران. (4) البرة: الحنطة والسمراء أجودها. (5) الاعتلاج الالتطام ومنه اعتلجت الامواج إذا التطمت، والمراد زال تلاطم الريب والشك من صدور الناس. (6) فتحا وذللا بضمتين، والاولى بمعنى مفتوحة واسعة، والثانية مذللة ميسرة. (7) نهج البلاغة - محمد عبده ج 2 ص 170 - 173. [*] ________________________________________