[ 368 ] والزعفران بمنزلة الرمل (1) في تلك القصور والغرف كلها، فأخذ منها ما أراد وخرج حتى أتى ناقته وركبها، ثم سار يقفو أثره حتى رجع إلى اليمن وأظهر ما كان معه وأعلم الناس أمره، وباع بعض ذلك اللؤلؤ وكان قد اصفار وتغير من طول ما مر عليه من الليالي والأيام، فشاع خبره وبلغ معاوية بن أبي سفيان فأرسل رسولا " إلى صاحب صنعاء وكتب بإشخاصه، فشخص حتى قدم على معاوية فخلا به وسأله عما عاين فقص عليه أمر المدينة وما رأى فيها وعرض عليه ما حمله منها من اللؤلؤ وبنادق المسك والزعفران، فقال: والله ما أعطي سليمان بن داود مثل هذه المدينة، فبعث معاوية إلى كعب الأحبار فدعاه فقال له: يا أبا إسحاق هل بلغك أن في الدنيا مدينة مبنية بالذهب والفضة، وعمدها زبرجد و ياقوت، وحصى قصورها وغرفها اللؤلؤ، وأنهارها في الأزقة تجري تحت الأشجار، قال كعب: أما هذه المدينة صاحبها شداد بن عاد الذى بناها، وأما المدينة فهي إرم ذات العماد وهي التي وصفها الله عزوجل في كتابه المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وآله، وذكر أنه لم يخلق مثلها في البلاد، قال معاوية: حدثنا بحديثها، فقال: إن عاد الاولى - وليس بعاد قوم هود - كان له ابنان سمى أحدهما شديدا "، والآخر شدادا "، فهلك عاد وبقيا وملكا وتجبرا وأطاعهما الناس في الشرق والغرب، فمات شديد وبقي شداد فملك وحده لم ينازعه أحد، وكان مولعا " بقراءة الكتب، وكان كلما سمع يذكر الجنة وما فيها من البنيان والياقوت والزبرجد واللؤلؤ رغب أن يفعل مثل ذلك في الدنيا عتوا على الله عزوجل، فجعل على صنعتها مائة رجل تحت كل واحد منهم ألف من الأعوان فقال: انطلقوا إلى أطيب فلاة في الأرض وأوسعها فاعملوا لي فيها مدينة من ذهب وفضة وياقوت وزبرجد ولؤلؤ، و اصنعوا تحت تلك المدينة أعمدة من زبرجد، وعلى المدينة قصورا "، وعلى القصور غرفا "، وفوق الغرف غرفا "، واغرسوا تحت القصور في أزقتها أصناف الثمار كلها، وأجروا فيها الأنهار حتى تكون تحت أشجارها فإني أرى في الكتاب صفة الجنة وأنا احب أن أجعل مثلها في الدنيا، قالوا له: كيف نقدر على ما وصفت لنا من الجواهر والذهب والفضة حتى يمكننا أن نبني مدنية كما وصفت ؟ قال شداد: ألا تعلمون أن ملك الدنيا ________________________________________ (1) في المصدر: منثورا بمنزلة الرمل. م [ * ] ________________________________________