[45] فاضطره ذلك أن يكتم على نفسه، فمخون الله تعالى في عباده يحتاج إلى من يطهره باقامة الحد عليه، فهو حينئذ إمام مأموم، وأما إذا لم يكن عالما بجميع ما فرضه الله تعالى في كتابه وغيره، قلب الفرائض فأحل ما حرم الله، فضل وأضل، وإذا لم يكن أشجع الناس سقط فرض إمامته لانه في الحرب فئة للمسلمين فلو فر لدخل فيمن قال الله تعالى: " ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله " (1) وإذا لم يكن أكرم الناس نفسا دعاه البخل والشح إلى أن يمد يده فيأخذ فيئ المسلمين، لانه خازنهم وأمينهم على جميع أموالهم من الغنائم والخراج والجزية والفئ. فلهذه العلل يتميز من سائر الامة، ولم يكن الله ليأمر بطاعة من لا يعرف أوامره ونواهيه، ولا أن يولي عليهم الجاهل الذي لاعلم له، ولا ليجعل الناقص حجة على الفاضل ولو كان ذلك لجاز لاهل العلل والاسقام أن يأخذوا الادوية ممن ليس بعارف منافع الاجساد، ومضارها، فتتلف أنفسهم، ولو أن رجلا أراد أن يشتري ما يصلح به من متاع وغيره، لكان من حزم الرأي أن يستعين بالتاجر البصير بالتجارة، فيكون ذلك أحوط عليه. وإذا كان جميع ذلك لا يصلح في هذه الاشياء الدنياوية فأحرى أن يقصد الامام العادل في الاسباب كلها التي يتوصل بها إلى امور الآخرة، فتميز بين الامام العادل والجاهل. وروى عمر بن الخطاب أنه اختصم إليه رجلان فحكم لاحدهما على الآخر فقال المحكوم له: بالله لقد حكمت بالحق، فعلاه عمر بدرته وقال له: ثكلتك امك والله ما يدري عمر أصاب أم أخطأ، وإنما رأي رأيته. هذا مع ما تقدمه من قول أبي بكر: وليتكم ولست بخيركم، وإن لي شيطانا يعتريني، فإذا ملت فقوموني فإذا غضبت فاجتنبوني لا أمثل في أشعاركم وأبشاركم، فاحتج التابعون لهما لانفسهم بأن قالوا: لنا اسوة بالسلف الماضي، لما عجزوا من تأدية حقائق الاحكام، فلهذه ________________________________________ (1) الانفال: 16. ________________________________________