[427] بالنزول عن سرير ملكي، ثم قال: هذه مقدمة الموت ورسول البلاء (1) لم يحجبه عني حاجب، ولم يمنعه عني حارس، فنعى إلى نفسي وأذن لي بزوال ملكي فما أسرع هذا في تبديل بهجتي وذهاب سروري، وهدم قوتي، لم يمنعه مني الحصون ولم تدفعه عني الجنود، هذا سالب الشباب والقوة، وما حق العز والثروة، ومفرق الشمل وقاسم التراث بين الاولياء والاعداء، مفسد المعاش، ومنغص اللذات ومخرب العمارات ومشتت الجمع، وواضع الرفيع، ومذل المنيع، قد أناخت بي أثقاله (2) ونصب لي حباله. ثم نزل عن مجلسه حافيا ماشيا، وقد صعد إليه محمولا، ثم جمع إليه جنوده ودعا إليه ثقاته فقال: أيها الملا ماذا صنعت فيكم وما أتيت إليكم منذ ملكتكم ووليت اموركم ؟ قالوا له: أيها الملك المحمود عظم بلاؤك عندنا وهذه أنفسنا مبذولة في طاعتك، فمرنا بأمرك، قال: طرقني عدو نحيف (3) لم تمنعوني منه حتى نزل بي وكنتم عدتي وثقاتي، قالوا: أيها الملك أين هذا العدو ؟ أيرى أم لا يرى ؟ قال: يرى بأثر ولا يرى عينه، قالوا: أيها الملك هذه عدتنا كما ترى وعندنا سكن وفينا ذووا الحجى والنهى، فأرناه نكفك ما مثله يكفى، قال: قد عظم الاغترار مني بكم ووضعت الثقة في غير موضعها حين اتخذتكم وجعلتكم لنفسي جنة، وإنما بذلت لكم الاموال ورفعت شرفكم وجعلتكم البطانة دون غيركم لتحفظوني من الاعداء وتحرسوني منهم، ثم أيدتكم على ذلك بتشييد البلدان وتحصين المدائن والثقة من الصلاح ونحيت عنكم الهموم (4) وفرغتكم للنجدة ________________________________________ (1) في بعض النسخ " رسول البلى ". (2) أناخ البلاء على فلان: أقام عليه، وأناخ به الحاجة: أنزلها به. أناخ الجمل: أبركه. (3) طرق القوم: أتاهم ليلا. (4) نحاه عنه أي أبعده عنه وأزاله - والنجدة: الشجاعة والشدة والبأس. ________________________________________