[402] وأنت طلبتي التي كنت طلبتها فصف لي أمر الاخرة تاما، فأما الدنيا فلعمري لقد صدقت ولقد رأيت منها ما يدلني على فنائها ويزهدني فيها، ولم يزل أمرها حقيرا عندي. قال بلوهر: إن الزهادة في الدنيا يا ابن الملك مفتاح الرغبة إلى الاخرة، ومن طلب الاخرة فأصاب بابها دخل ملكوتها وكيف لا تزهد في الدنيا وقد آتاك الله من العقل ما آتاك، وقد ترى أن الدنيا كلها وإن كثرت إنما يجمعها أهلها لهذه الاجساد الفانية، والجسد لاقوام له، ولا امتناع به، فالحر يذيبه، والبرد يجمده، والسموم يتخلله، والماء يغرقه، والشمس تحرقه، والهواء يسقمه، والسباع يفترسه، والطير تنقره، والحديد يقطعه، والصدم يحطمه، ثم هو معجون بطينة من ألوان الاسقام والاوجاع والامراض، فهو مرتهن بها، مترقب لها، وجل منها، غير طامع في السلامة منها، ثم هو مقارن الافات السبع التي لا يتخلص منها ذو جسد وهي الجوع والظمأ والحر والبرد والوجع والخوف والموت. فأما ما سألت منه من الامر الاخرة، فإني أرجو أن تجد ما تحسبه بعيدا قريبا، وما كنت تحسبه عسيرا يسيرا، وما كنت تحسبه قليلا كثيرا. قال ابن الملك: أيها الحكيم أرأيت القوم الذين كان والدي حرقهم بالنار ونفاهم أهم أصحابك ؟ فقال: نعم، قال: فإنه بلغني أن الناس اجتمعوا على عداوتهم وسوء الثناء عليهم، قال بلوهر: نعم قد كان ذلك، قال: فما سبب ذلك أيها الحكيم ؟ قال بلوهر: أما قولك يا ابن الملك في سوء الثناء عليهم فما عسى أن يقولون فيمن يصدق ولا يكذب، ويعلم ولا يجهل، ويكف ولا يؤذي، ويصلي ولا ينام، ويصوم ولا يفطر، ويبتلي فيصبر، ويتفكر فيعتبر، ويطيب نفسه عن الاموال والاهلين، ولا يخافهم الناس على أموالهم وأهليهم. قال ابن الملك: فكيف اتفق الناس على عداوتهم وهم فيما بينهم مختلفون ؟ قال بلوهر: مثلهم في ذلك مثل كلاب اجتمعوا على جيفة تنهشها ويهار بعضها بعضا، مختلفة الالوان والاجناس فبينا هي تقبل على الجيفة ازدنى رجل منهم فترك بعضهن بعضا وأقبلن على الرجل فيهرن عليه جميعا معاويات عليه وليس للرجل في جيفتهن حاجة ________________________________________