[390] فهذه الدنيا أيها الملك التي أخبرتك أنها لا شئ فهذا نسبها وحسبها ومسيرها إلى ما قد سمعت، قد رفضتها لما عرفتها، وأبصرت الامر الذي هو الشئ فإن كنت تحب أيها الملك أن أصف لك ما أعرف عن أمر الاخرة التي هي الشئ فاستعد إلى السماع، تسمع غير ما كنت تسمع به من الاشياء. فلم يزده الملك عليه إلا أن قال له: كذبت لم تصب شيئا، ولم تظفر إلا بالشقاء والعناء، فاخرج ولا تقيمن في شئ من مملكتي، فإنك فاسد مفسد. وولد للملك في تلك الايام بعد إياسه من الذكور غلام لم ير الناس مولودا مثله قط حسنا وجمالا وضياء، فبلغ السرور من الملك مبلغا عظيما كاد يشرف منه على هلاك نفسه من الفرح، وزعم أن الاوثان التي كان يعبدها هي التي وهبت له الغلام، فقسم عامة ما كان في بيوت أمواله على بيوت أوثانه، وأمر الناس بالاكل والشرب سنة وسمى الغلام يوذاسف، وجمع العلماء والمنجمين لتقويم ميلاده، فرفع المنجمون إليه أنهم يجدون الغلام يبلغ من الشرف والمنزلة مالا يبلغه أحد قط في أرض الهند، واتفقوا على ذلك جميعا، غير أن رجلا قال: ما أظن الشرف والمنزلة والفضل الذي وجدناه يبلغه هذا الغلام إلا شرف الاخرة ولا أحسبه إلا أن يكون إماما في الدين والنسك وذا فضيلة في درجات الاخرة لاني أرى الشرف الذي تبلغه ليس يشبه شيئا من شرف الدنيا وهو شبيه بشرف الاخرة. فوقع ذلك القول من الملك موقعا كاد أن ينغصه سروره بالغلام، وكان المنجم الذي أخبره بذلك من أوثق المنجمين في نفسه وأعلمهم وأصدقهم عنده، وأمر الملك للغلام بمدينة فأخلاها وتخير له من الظؤرة (1) والخدم كل ثقة وتقدم إليهم أن لا يذكر فيما بينهم موت ولا آخرة ولا حزن ولا مرض ولا فناء حتى تعتاد ذلك ألسنتهم وتنساه قلوبهم، وأمرهم إذا بلغ الغلام أن لا ينطقوا عنده بذكر شئ مما يتخوفونه عليه خشية أن يقع في قلبه منه شئ فيكون ذلك داعية إلى اهتمامه ________________________________________ (1) جمع الظئر: المرضعة. ________________________________________