[5] الدنيا لنفسك ثمنا، ومما لك عند الله عوضا. ومنهم من يطلب الدنيا بعمل الاخرة ولا يطلب الاخرة بعمل الدنيا، قد طأمن من شخصه، وقارب من خطوه، وشمر من ثوبه (1) وزخرف من نفسه الامانة واتخذ سر الله تعالى ذريعة إلى المعصية. ومنهم من أقعده عن طلب الملك ضؤولة نفسه (2) وانقطاع سببه، فقصرته الحال على حاله، فتحلى باسم القناعة، وتزين بلباس أهل الزهادة، وليس من ذلك في مراح، ولا مغدى (3) وبقي رجال غض أبصارهم ذكر المرجع، وأراق دموعهم خوف المحشر، فهم بين شريد ناء، وخائف مقموع، وساكت مكعوم (4) وداع مخلص، وثكلان موجع قد أخملتهم التقية، وشملتهم الذلة فهم في بحر اجاج، أفواههم خامرة (5) وقلوبهم قرحة، قد وعظوا حتى ملوا، وقهروا حتى ذلوا، وقتلوا حتى قلوا، فلتكن الدنيا عندكم أصغر من حثالة القرظ، وقراضة الجلم (6). واتعظوا بمن كان قبلكم قبل أن يتعظ بكم من بعدكم، وارفضوها ذميمة فانها رفضت من كان أشغف بها منكم، فياما أغر خداعها مرضعة، وياما أضر نكالها فاطمة. 55 - وقد نقل عنه عليه السلام أنه قال وقد اجتمع حوله خلق كثير: اتقوا الله فما ________________________________________ (1) طأمن مقلوب طمأن أي سكن، وطأمن منه أي سكنه، وشمر ثوبه أي رفعه عن ساقيه للتنزه والاحتراز من النجاسة والقذارة. (2) الضؤولة - بالضم -: الحقارة. ورجل ضئيل أي ضعيف نحيف. (3) المراح موضع يروح القوم منه أو إليه. والمغدى اسم مكان من الغدو. (4) المقموع: المقهور. والمكعوم: الملحم. (5) خمر - كضرب ونصر -: سكت ولم يتكلم. (6) الحثالة - بالضم - ما يسقط من قشر الشعير والارز. والقرظ - بالتحريك - ورق السلم يدبغ به الاديم. وقراضة الجلم يعنى ريزه دم قيچى. ________________________________________