[27] رأس الايمان وعماد الدين، إن الورع مثله كمثل السفينة كما أن في البحر لا ينجو إلا من كان فيها كذلك لا ينجو الزاهدون إلا بالورع. يا أحمد ما عرفني عبد وخشع لي إلا وخشعت له. يا أحمد الورع يفتح على العبد أبواب العبادة، فتكرم به عند الخلق، ويصل به إلى الله عزوجل. يا أحمد عليك بالصمت فان أعمر القلوب قلوب الصالحين والصامتين، وإن أخرب القلوب قلوب المتكلمين بما لا يعنيهم. يا أحمد إن العبادة عشرة أجزاء تسعة منها طلب الحلال، فإذا طيبت مطعمك ومشربك فأنت في حفظي وكنفي، قال: يا رب ما أول العبادة ؟ قال: أول العبادة الصمت والصوم، قال: يا رب وما ميراث الصوم ؟ قال: الصوم يورث الحكمة والحكمة تورث المعرفة، والمعرفة تورث اليقين، فإذا استيقن العبد لا يبالي كيف أصبح، بعسر أم بيسر، إذا كان العبد في حالة الموت يقوم على رأسه ملائكة بيد كل ملك كأس من ماء الكوثر وكأس من الخمر يسقون روحه حتى تذهب سكرته ومرارته ويبشرونه بالبشارة العظمى ويقولون له طبت وطاب مثواك (1) إنك تقدم على العزيز الحكيم الحبيب القريب فتطير الروح من أيدي الملائكة فتصعد إلى الله تعالى في أسرع من طرفة عين، ولا يبقى حجاب ولا ستر بينها وبين الله تعالى، والله عزوجل إليها مشتاق، وتجلس على عين عند العرش ثم يقال لها: كيف تركت الدنيا ؟ فتقول: إلهي وعزتك وجلالك لا علم لي بالدنيا، أنا منذ خلقتني خائفة منك، فيقول الله تعالى: صدقت عبدي كنت بجسدك في الدنيا وروحك معي فأنت بعيني سرك وعلانيتك، سل أعطك وتمن علي فأكرمك، هذه جنتي فتجنح فيها وهذا جواري فأسكنه. فتقول الروح: إلهي عرفتني نفسك فاستغنيت بها عن جميع خلقك وعزتك وجلالك لو كان رضاك في أن اقطع إربا إربا واقتل سبعين قتلة بأشد ما يقتل به الناس لكان رضاك أحب إلي، إلهي كيف أعجب بنفسي وأنا ذليل إن لم ________________________________________ (1) المثوى: المنزل والمكان. ________________________________________