[310] - إذا لم يقع منه هذا الفعل - أن يكون حانثا أو كاذبا لانه إن لم يقع، علمنا أنه لم يلطف له فيه، لانه لا لطف له فيه. وليس لاحد أن يعترض هذا بأن يقول: الطاعات لابد فيها من لطف وذلك لان فيها ما لا لطف فيه جملة، فارتفاع ما هذه سبيله يكشف عن أنه لا لطف فيه وهذا الوجه لا يصح أن يقال في الاية أنه لا يخص الطاعات، والاية تتناول كل ما لم يكن قبيحا، بدلالة إجماع المسلمين على حسن الاستثناء وما تضمنته في كل فعل ما لم يكن قبيحا. وقد يدخل الاستثناء في الكلام ويراد به التسهيل والاقدار والتخلية والبقاء على ما هو عليه من الاحوال، وهذا هو المراد به إذا دخل في المباحات، وهذا الوجه يمكن في الاية إلا أنه يعترضه ما ذكره أبو علي الجبائي فيما حكيناه من كلامه، وقد يذكر استثناء المشية أيضا في الكلام وإن لم يرد به شئ مما تقدم بل يكون الغرض به إظهار الانقطاع إلى الله تعالى من غير أن يقصد إلى شئ من الوجوه المتقدمة، وقد يكون هذا الاستثناء غير معتد به في كونه كاذبا أو صادقا، فالاية في الحكم كأنه قال: لافعلن كذا إن وصلت إلى مرادي مع انقطاعي إلى الله تعالى وإظهاري الحاجة إليه، وهذا الوجه أيضا مما يمكن في تأويل الاية، ومن تأمل جملة ما ذكرناه من الكلام عرف منه الجواب عن المسألة التي لا يزال يسأل عنها المخالفون من قولهم: " لو كان الله تعالى إنما يريد العبادات من الافعال دون المعاصي، لوجب إذا قال من لغيره عليه دين طالبه به: والله لاعطينك حقك غدا إن شاء الله. أن يكون كاذبا أو حانثا إذا لم يفعل، لان الله تعالى قد شاء ذلك منه عندكم، وإن كان لم يقع، فكان يجب أن تلزمه الكفارة وأن لا يؤثر هذا الاستثناء في يمينه، ولا يخرجه عن كونه حانثا كما أنه لو قال: " والله لاعطينك حقك غدا إن قدم زيد " فقدم ولم يعطه يكون حانثا، وفي إلزام هذا الحنث خروج عن إجماع المسلمين فصار ما أوردناه جامعا لبيان تأويل الاية والجواب عن هذه المسألة ونظائرها من المسائل، والحمد لله وحده (1). ________________________________________ (1) الغرر والدرر ج 2 ص 120 - 124 ط مصر. ________________________________________