[22] عن سائر الجوارح عدا اللسان بالايدي والاقدام، لان أكثر ما يفعل بها، وإن كان قد يفعل بغيرها، نحو مجامعة الرجل زوجته إذا قصد به تحصينها وتحصينه عن الزنا ونحو أن ينحي حجرا ثقيلا برأسه عن صدر إنسان قد كاد يقتله، وغير ذلك. وأما أفعال القلوب فهي العزوم والارادات والنظر والعلوم والظنون والندم فعبر عليه السلام عن جميع ذلك بصدق النية والسريرة الصالحة، واكتفى بذلك عن تعديد هذه الاجناس. فان قلت: فان الانسان قد يستحق الثواب على أن لا يفعل القبيح، وهذا يخرم الحصر الذي حصره أمير المؤمنين عليه السلام. قلت: يجوز أن يكون يذهب مذهب أبي علي في أن القادر بقدرة لا يخلو عن الفعل والترك، انتهى. قال ابن ميثم (1) قدس سره: دعا عليه السلام لصاحبه بما هو ممكن وهو حط السيئات بسبب المرض، ولم يدع له بالاجر عليه معللا ذلك بقوله " فان المرض لا أجر فيه " والسر فيه أن الاجر والثواب إنما يستحق بالافعال المعدة له كما اشار إليه بقوله: " وإنما الاجر في القول - إلى قوله بالاقدام " وكنى بالاقدام عن القيام بالعبادة، وكذلك ما يكون كالفعل من عدمات الملكات كالصوم ونحوه، فأما المرض فليس هو بفعل العبد، ولا عدم فعل من شأنه أن يفعله. فأما حطه للسيئات فباعتبار أمرين: أحدهما أن المريض تنكسر شهوته وغضبه اللذين هما مبدءا الذنوب والمعاصي ومادتهما، الثاني أن من شأن المرض أن يرجع الانسان فيه إلى ربه بالتوبة والندم على المعصية والعزم على ترك مثلها، كما قال تعالى: " وإذا مس الانسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما " الآية (2). فما كان من السيئات حالات غير متمكنة من جوهر النفس فانه يسرع زوالها منها، وما صار ملكة فربما يزول على طول المرض ودوام الانابة إلى الله تعالى ________________________________________ (1) شرح النهج لابن ميثم ص 584. (2) يونس: 12. [*] ________________________________________