[108] الاشقى " وهو الكافر بالله " الذي كذب " بآيات الله ورسله " وتولى " أي أعرض عن الايمان " وسيجنبها " أي سيجنب النار ويجعل منها على جانب " الاتقى " المبالغ في التقوى " الذي يؤتي ماله " أي ينفقه في سبيل الله " يتزكى " أي يكون عند الله زكيا لا يطلب بذلك رئاء ولا سمعة. قال القاضي قوله: " لا يصليها " الاية لا يدل على أنه تعالى لا يدخل النار إلا الكافر على ما تقوله الخوارج وبعض المرجئة، وذلك لانه نكر النار المذكورة ولم يعرفها فالمراد بذلك أن نارا من جملة النيران لا يصليها إلا من هذه حاله، والنيران دركات على ما بينه سبحانه في سورة النساء في شأن المنافقين (1) فمن أين عرف أن غير هذه النار لا يصليها قوم آخرون، وبعد فان الظاهر من الاية يوجب أن لا يدخل النار إلا من كذب وتولى وجمع بين الامرين، فلابد للقوم من القول بخلافه لانهم يوجبون النار لمن يتولى عن كثير من الواجبات وإن لم يكذب، وقيل: إن الاتقى والاشقى المراد بهما التقي والشقي (2) انتهى. ثم اعلم أنه عليه السلام استدل بالايات الاول على أن وعيد النار في مكة إنما كان على الكفار، لانه سبحانه حصر الصلي بالنار على الاشقى الذي كذب الرسول وتولى عن قبول قوله في التوحيد أو الاعم، ومن كذب الرسول وأعرض عما جاء به كافر مشرك، فظهر أنه لم يكن يومئذ يستحق النار غير المشركين والكفار من الفساق، وإليه أشار عليه السلام بقوله " فهذا مشرك " وهذا وجه حسن واستدلال متين، لكن كيف يستقيم على هذا الايات التالية وهي قوله " وسيجنبها الاتقى " الخ فانها تدل على أن غير الاتقى لا يجنب النار. ويمكن الجواب عنه بوجوه: الاول أن المضارع في قوله تعالى: " لا يصليها " للحال، واستعمل الصلي في ________________________________________ (1) كانه يريد قوله تعالى: " ان المنافقين في الدرك الاسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا " النساء: 144. (2) مجمع البيان ج 10 ص 502. ________________________________________