[375] أتى بعده بصفات ونعوت لا يكون إلا للقرآن، ولا ريب في اتحاد حجج الاسلام والقرآن، ولا يبعد أن يكون القرآن في جملة كلام حذف السيد رضي الله عنه على عادته في الالتقاط والاختصار، وفي بعض النسخ " عزائمه " مكان " غرائبه " أي آياته المحكمة، وبراهينه العازمة، أي القاطعة، وعدم فناء العزائم أو الغرائب إما ثباتها واستقرارها على طول المدة وتغير الاعصار، أو كثرتها عند البحث والتفتيش عنها، وعدم انقضاء العجائب هو أنه كلما تأمل فيه الانسان استخرج لطائف معجبة والمرابيع أمطار أول الربيع تحيى بها الارض، وتنبت الكلاء، وفي بعض النسخ " بمفاتيحه وبمصابيحه " مع الياء وفي بعضها بدونها. وحميت المكان من الناس كرميت أي منعته منهم، والحماية اسم منه وكلاء حمي كرضي أي محمي وأحميت المكان حعلته حمى لا يقرب منه ولا يجترء عليه والرعي بالكسر الكلاء، وبالفتح المصدر والمرعى الرعي والمصدر والموضع، قيل: أحمى حماه أي جعله الله عرضة لان يحمى كما تقول أقتلت الرجل أي جعلته عرضة لان يقتل، أي قد عرض الله حمى القرآن ومحارمه لان يجتنب، وعرض مرعاه لان يرعى، أي مكن من الانتفاع بمواعظه وزواجره لانه خاطبنا بلسان عربي مبين ولم يقنع ببيان ما لم يعلم إلا بالشرع حتى نبه في أكثره على أدلة العقل. وقيل: استعار لفظ الحمى لحفظه وتدبره والعمل بقوانينه، ووجه الاستعارة أن بذلك يكون حفظ الشخص وحراسته أما في الدنيا فمن أيدي كثير من الظالمين لاحترامهم حملة القرآن ومفسريه ومن يتعلق به، وأما في الاخرة فلحمايته حفظته ومتدبريه والعامل به من عذاب الله كما يحمي الحمى من يلوذ به وقيل: أراد بحماه محارمه أي منع بنواهيه وزواجره أن يستباح محارمه. " وأرعى مرعاه " أي هيأه لان يرعى، واستعار لفظ المرعى للعلوم والحكم والاداب التي يشتمل عليها القرآن ووجه المشابهة أن هذه مراعي النفوس وغذاؤها الذي به يكون نشوها العقلي، وتمامها الفعلى كما أن النبات والعشب غذاء للابدان الحيوانية الذي يقوم بها وجودها (*). ________________________________________