[363] من جهة الغفلة فيخذع مرة بعد مرة وهو لا يفطن لذلك، ولا يشعر به، والمراد به الخداع في أمر الدين لا أمر الدنيا وأما الكسر فعلى وجه النهي أي لا يخدعن المؤمن ولا يؤتين من ناحية الغفلة فيقع في مكروه أو شر وهو لا يشعر به، وليكن فطنا حذراوهذا التأويل يصلح أن يكون لامر الدين والدنيا معا انتهى. وأقول: روى مسلم في صحيحه مثل هذا الخبر (1) وذكر في إكمال الاكمال هذين والوجهين الذين ذكرهما في النهاية ثم قال وذكر عياض هذين الوجهين و رجح الخبر بأن سبب قوله صلى الله عليه واله هذا، أن أبا عزة الشاعر أخا مصعب بن عمير كان اسر يوم بدر فسأل النبي صلى الله عليه واله أن يمن عليه ففعل، وعاهده أن لا يحرض عليه ولا يهجوه، فلما لحق بأهله عاد إلى ما كان عليه، فاسر يوم احد فسأله أيضا أن يمن عليه، فقال النبي صلى الله عليه واله هذا الكلام البليغ الجامع الذي لم يسبق إليه، وفيه تنبيه عظيم على أنه إذا رأى الاذى من جهة لا يعود إليها ثانية (2). وقال الابي: رجح الخطابي النهى بعد ذكر الوجهين، وكأنه لم يبلغه أي الخطابي سبب قوله صلى الله عليه واله هذا الكلام ولو بلغه لم يحمله على النهي. وأجاب الطيبي بأنه وإن بلغه السبب فلا يبعد النهي بل هو أولى من الخبر وذلك أنه صلى الله عليه واله لما دعته نفسه الزكية الكريمة إلى الحلم والصفح، جرد ________________________________________ (1) أخرجه في مشكاة المصابيح: 429، وقال متفق عليه. (2) قال ابن هشام في اسيرة ج 2 ص 104 قال أبو عبيدة: وأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله في جهة ذلك - يعنى حمراء الاسد - قبل رجوعه الى المدينة معاوية بن المغيرة بن أبى العاص ابن امية بن عبد شمس وهو جد عبد الملك بن مروان أبو أمه عائشة بنت معاوية، وأبا عزة الجمحى، وكان رسول الله (ص) أسره ببدر ثم من عليه. فقال: يا رسول الله أقلنى ! فقال رسول الله (ص): والله لا تمسح عارضيك بمكة بعدها وتقول: خدعت محمدا مرتين، اضرب عقنه يا زبير فضرب عنقه. قال ابن هاشم: وبلغني عن سعيد بن المسيب أنه قال: قال له رسول الله (ص): ان المؤمن لا يلدغ من حجر مرتين: اضرب عنق يا عاصم بن ثابت، فضرب عنقه. ________________________________________