[ 83 ] وثالثها: أن عرضها لم يرد به العرض الذي هو خلاف الطول، وإنما أراد سعتها وعظمها، والعرب إذا وصفت الشئ بالسعة وصفته بالعرض. ويسأل فيقال: إذا كانت الجنة عرضها كعرض السماء والارض فأين تكون النار ؟ فجوابه أنه روي أن النبي صلى الله عليه وآله سئل عن ذلك فقال: " سبحان الله ! إذا جاء النهار فأين الليل ؟ " و هذه معارضة فيها إسقاط المسألة، لان القادر على أن يذهب بالليل حيث يشاء قادر على أن يخلق النار حيث شاء. ويسأل أيضا: إذا كانت الجنة في السماء فكيف يكون لها هذا العرض ؟ والجواب أنه قيل: إن الجنة فوق السماوات السبع تحت العرش عن أنس بن مالك. وقد قيل: إن الجنة فوق السماوات السبع وإن النار تحت الارضين السبع، عن قتادة. وقيل: معنى قولهم: إن الجنة في السماء أنها في ناحية السماء وجهة السماء لا أن السماء تحويها، ولا ينكر أن يخلق الله في العلو أمثال السماوات والارضين، وإن صح الخبر أنها في السماء الرابعة كان كما يقال: في الدار بستان لاتصاله بها وكونه في ناحية منها أو يشرع إليه بابها وإن كان أضعاف الدار. وقيل: إن الله تعالى يزيد في عرضها يوم القيامة فيكون المراد: عرضها السماوات والارض يوم القيامة لا في الحال، عن أبي بكر أحمد بن علي مع تسليمه أنها في السماء " اعدت للمتقين " أي المطيعين لله ولرسوله باجتناب المقبحات وفعل الطاعات، وهذا يدل على أن الجنة مخلوقة اليوم لانها لا تكون معدة إلا وهي مخلوقة. أقول: وقال الرازي في تفسير هذه الآية: وههنا سؤالات: الاول: ما معنى أن عرضها مثل عرض السماوات والارض ؟ فيه وجوه: الاول: أن المراد: لو جعلت السماوات والارضون طبقا طبقا بحيث يكون كل واحد من تلك الطبقات سطحا مؤلفا من أجزاء لا يتجزى ثم وصل البعض بالبعض طبقا واحدا لكان ذلك مثل عرض الجنة، وهذا غاية في السعة لا يعلمها إلا الله. الثاني أن الجنة التي تكون عرضها مثل عرض السماوات والارض إنما يكون للرجل الواحد لان الانسان إنما يرغب فيما يصير ملكا له، فلابد وأن تكون الجنة المملوكة لكل واحد مقدار هذا، ثم ________________________________________