[32] البرودة أن تضغطها (1) وذلك أن قعور البحار تحمى فتتولد في أرضها (2) عذوبة وتستحيل وتحمي كما يعرض ذلك في البلاليع والآبار، فإذا حمى ذلك الماء انبسط، وإذا انبسط زاد، وإذا زاد دفع (3) كل جزء منه صاحبه فطفر عن سطحه (4) وبان عن قعره واحتاج إلى أكثر من وهدته، وأن القمر إذا امتلا أحمى الجو حميا شديدا فظهر زيادة الماء فسمي ذلك المد الشهري. وقالت طائفة اخرى: لو كان الجزر والمد بمنزلة النار إذا أسخنت الماء الذي في القدر وبسطته فيطلب أوسع منه فيفيض حتى إذا خلا قعره من الماء طلب الماء بعد خروجه منه عمق الارض بطبعه فيرجع اضطرارا بمنزلة رجوع ما يغلي من الماء في المرجل والقمقم إذا فاض لكان بالشمس أشد سخونة، ولو كانت الشمس علة مده لكان بدؤه مع بدء طلوع الشمس والجزر عند غيبوبتها. وزعم هؤلاء أن علة المد والجزر الابخرة التي تتولد في بطن الارض، فإنها لا تزال تتولد وتكثف وتكثر فتدفع حينئذ ماء هذا البحر لكثافتها، فلا تزال على ذلك حتى تنقص موادها من أسفل، فإذا انقطعت موادها من أسفل تراجع الماء حينئذ إلى قعور البحر، وكان الجزر من أجل ذلك والمد ليلا ونهارا وشتاء وصيفا وفي غيبوبة القمر وطلوعه وفي غيبوبة الشمس وطلوعها. قالوا: وهذا يدرك بحس البصر (5) لانه ليس يستكمل الجزر آخره حتى يبدو أول المد، ولا يفنى (6) آخر المد حتى يبدو أول الجرز، لانه لا يفتر تولد تلك البخارات حتى إذا خرجت تولد مكانها غيرها وذلك أن البحر إذا غارت مياهه ورجعت إلى قعره تولدت تلك الابخرة لمكان ما يتصل منها من الارض بمائه، فكلما عاد تولدت وكلما فاض تنفست (7). ________________________________________ (1) في المصدر تضمها. (2) الارض (خ). (3) في المصدر: وإذا زاد ارتفع فدفع. (4) في المصدر: فطفا على سطحه. (5) في المصدر: بالحس. (6) في المصدر: لا ينقضى (7) تنقصت (خ) ________________________________________