[ 52 ] واحد عرفا وشرعا وإن قيل بالهيولى، ولا يبتني الاطلاقات الشرعية والعرفية واللغوية على أمثال تلك الدقائق الحكمية والفلسفية، وقد أومأنا في تفسير بعض الآيات وشرح بعض الاخبار إلى ما يؤيد ذلك، كقوله تعالى: " على أن يخلق مثلهم " وقوله تعالى: " بدلناهم جلودا غيرها ". قال شارح المقاصد: اتفق المحققون من الفلاسفة والمليين على حقيقة المعاد، واختلفوا في كيفيته فذهب جمهور الفلاسفة إلى أنه روحاني فقط لان البدن ينعدم بصوره وأعراضه فلا يعاد، والنفس جوهر مجرد باق لا سبيل إليه للفناء فيعود إلى عالم المجردات بقطع التعلقات، وذهب كثير من علماء الاسلام كالغزالي والكعبي والحليمي والراغب والقاضي أبو زيد الدبوسي إلى القول بالمعاد الروحاني والجسماني جميعا، ذهابا إلى أن النفس جوهر مجرد يعود إلى البدن، وهذا رأي كثير من الصوفية والشيعة والكرامية وبه يقول جمهور النصارى والتناسخية، قال الامام الرازي: إلا أن الفرق أن المسلمين يقولون بحدوث الارواح وردها إلى الابدان لا في هذا العالم بل في الآخرة، والتناسخية بقدمها وردها إليها في هذا العالم، وينكرون الآخرة والجنة والنار، وإنما نبهنا على هذا الفرق لانه جبلت على الطباع العامية أن هذا المذهب يجب أن يكون كفرا وضلالا، لكونه مما ذهب إليه التناسخية والنصارى، ولا يعلمون أن التناسخية إنما يكفرون لانكارهم القيامة والجنة والنار، والنصارى لقولهم بالتثليث، وأما القول بالنفوس المجردة فلا يرفع أصلا من اصول الدين، بل ربما يؤيده ويبين الطريق إلى إثبات المعاد بحيث لا يقدح فيه شبه المنكرين، كذا في نهاية العقول. وقد بالغ الامام الغزالي في تحقيق المعاد الروحاني وبيان أنواع الثواب و العقاب بالنسبة إلى الروح حتى سبق إلى كثير من الاوهام ووقع في ألسنة بعض العوام أنه ينكر حشر الاجساد افتراءا عليه، كيف وقد صرح به في مواضع من كتاب الاحياء وغيره وذهب إلى أن إنكاره كفر ؟ وإنما لم يشرحه في كتبه كثير شرح لما قال: إنه ظاهر لا يحتاج إلى زيادة بيان، نعم ربما يميل كلامه وكلام كثير من القائلين بالمعادين إلى أن معنى ذلك أن يخلق الله تعالى من الاجزاء المتفرقة لذلك البدن بدنا فيعيد ________________________________________