[358] في نجف الكوفة فقال لمن حوله: من يرى ما أرى ؟ فقالوا: وما ترى يا عين الله الناظرة في عباده ؟ فقال: أرى بعيرا يحمل جنازة ورجلا يسوقه ورجلا يقوده، وسيأتيكم بعد ثلاث فلما كان اليوم الثالث قدم البعير والجنازة مشدودة عليه ورجلان معه، فسلما على الجماعة، فقال لهما أمير المؤمنين عليه السلام بعد أن حياهم: من أنتم ومن أين أقبلتم و من هذه الجنازة ولماذا قدمتم ؟ فقالوا: نحن من اليمن، وأما الميت فأبونا وإنه عند الموت أوصى إلينا فقال: إذا غسلتموني وكفنتموني وصليتم علي فاحملوني على بعيري هذا إلى العراق فادفنوني هناك بنجف الكوفة، فقال لهما أمير المؤمنين عليه السلام: هل سألتماه لماذا ؟ فقالا: أجل قد سألناه فقال: يدفن هناك رجل لو شفع يوم القيامة لاهل الموقف (1) لشفع، فقام أمير المؤمنين عليه السلام وقال: صدق، أنا والله ذلك الرجل (2). 66 - قال ابن أبي الحديد في موضع آخر: قال شيخنا أبو عثمان: حدثني ثمامة قال: سمعت جعفر بن يحيى - وكان من أبلغ الناس وأفصحهم للقول والكتابة بضم اللفظة إلى اختها -: ألم تسمعوا قول شاعر لشاعر وقد تفاخرا: أنا أشعر منك لاني أقول البيت وأخاه، وأنت تقول البيت وابن عمه ! ثم قال: وناهيك حسنا بقول علي بن أبي طالب عليه السلام: " هل من مناص أو خلاص ؟ أو معاذ أو ملاذ ؟ أو قرار أو محار ؟ " قال أبو عثمان: وكان جعفر يتعجب أيضا بقول علي عليه السلام: أين من جد واجتهد، وجمع واحتشد (3) وبني فشيد، وفرش فمهد، وزخرف فنجد (4) ؟ " قال: ألا ترى أن كل لفظة منها آخذة بعنق قرينها جاذبة إياها إلى نفسها دالة عليها بذاتها ؟ قال أبو عثمان: فكان جعفر يسميه فصيح قريش. واعلم أننا لا يتخالجنا ________________________________________ (1) في المصدر: لو شفع في يوم العرض في أهل الموقف. (2) مشارق الانوار: 145. (3) الاحتشاد: الاجتهاد وبذل الوسع. (4) أي زينه. ________________________________________