[359] كونه أفضل فلان حب الله تعالى ليس إلا كثرة الثواب والتوفيق والهداية المترتبة على كثرة الطاعة والاتصاف بالصفات الحسنة كما برهن في محله أنه تعالى منزه عن الانفعالات والتغيرات، وإنما اتصافه بالحب والبغض وأمثالهما باعتبار الغايات، وقد مر تحقيق ذلك في كتاب التوحيد، وأنه ليس إثابته تعالى وإكرامه بدون فضيلة وخصلة كريمة وأعمال حسنة توجب ذلك، لحكم العقل بقبح تفضيل الناقص على الكامل والعاصي على المطيع والجاهل على العالم والفائق في الكمالات على القاصر فيها، وقد قال تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله (1)) فظهر أن حبه تعالى إنما يترتب على متابعة الرسول (صلى الله عليه وآله) فثبت أنه صلوات الله عليه أفضل من جميع الخلق، وإنما خص الرسول بالاجماع وبقرينة أنه كان هو القائل لذلك، فالظاهر أن مراده: أحب سائر الخلق إليه تعالى. وأما كونه أحق بالخلافة فلان من كان أفضل من جميع الصحابة بل من سائر الانبياء والاوصياء لا يجوز العقل تقدم غيره عليه، لا سيما تقدم من لا يثبت له فضيلة واحدة إلا بروايات المعاندين التي تظهر عليها أما رات الوضع والافتراء واختيار رضى سلاطين الجور على طاعة رب الارض والسماء. وقد نوقش في دلالة الخبر على أفضليته صلوات الله عليه بوجهين: الاول أنه يحتمل أن يكون أراد (صلى الله عليه وآله) أحب خلق الله إليه في أكل هذا الطير لا أحب الخلق إليه مطلقا ! والجواب عنه - وإن كان لوهنه وركاكته لا يحتاج إلى الجواب وقائله لا يستحق الخطاب - هو أن قوله (صلى الله عليه وآله): (يأكل) جواب للامر، ولا يفهم أحد له أدنى انس بكلام العرب منه سوى هذا المعنى، فلو خصص الحب بذلك (2) لكان تخصيصا من غير قرينة تدل عليه، وبرهان يدعو إليه، ولو جعل (يأكل) قيدا للحب فمع بعده محتاج إلى تقدير (في أن يأكل) وهو خلاف الاصل لا يصار إليه إلا بدليل، على أن في بعض الروايات ليس (يأكل) اصلا، وفي بعضها (حتى يأكل) وهما لا يحتملان ذلك. ________________________________________ (1) سورة آل عمران: 31. (2) أي بأكل الطائر. ________________________________________