[58] منهم لينفق عليهم، فهل يحل له أن يستأثر منها بشئ ؟. وروى أخبارا أخر أيضا من هذا الباب ظنا منه أنها تعينه على دفع الطعن، مع أنها مما يؤيده، إذ بعضها يدل على أنه كان يرى الاخذ من بيت المال مجانا حراما ولو كان للضرورة، إلا أن يأذن ذوو الحقوق في ذلك، فيرد حينئذ أن الاستئذان ممن حضره حين صعد المنبر في الاكل من العسل لا يغني من جوع، فإن الحق لم يكن منحصرا في هؤلاء، ولم يكونوا وكلاء لمن غاب عنه حتى يكفيه إذنهم في التناول منه، مع أن بيت المال مصرفه مصالح المسلمين وليس مشتركا بينهم كالميراث ونحوه، فإذا لم يكن للحاضرين حاجة مصححة للاخذ منه لم يكن لهم فيه حق حتى ينفع إذنهم في الاخذ، وكون أخذ الامام من المصالح - لاسيما للدواء - لا ينفع، فإنه لو تم لدل على عدم الحاجة إلى الاستئذان مطلقا، فهذه [كذا] الاستئذان دائر بين أن يكون ناقصا (1) غير مفيد وبين أن يكون لغوا لا حاجة إليه، فيدل إما على الجهل وقلة المعرفة أو على الشيد والمكر لاخذ قلوب العوام، كما يقال: يتورع من سواقط الاوبار ويجر الاحمال مع القطار. الطعن السادس عشر: إنه كان يتلون في الاحكام، حتى روي أنه قضى في الجد بسبعين (2) قضية، ________________________________________ (1) في (س): ناقضا. (2) في (س): سبعين. أقول: وقد ذكر البيهقي في السنن الكبرى 6 / 246: أن أول جد ورث في الاسلام عمربن الخطاب، مات ابن فلان به عمر فأراد أن يأخذ المال دون اخوته، فقال له علي وزيد رضي الله عنهما: ليس لك ذلك. فقال عمر: لولا أن رأيكما اجتمع لم أر أن يكون ابني ولا أكون أباه. وقريب منه ما ذكره الدارمي في سننه 2 / 354. وأنظر: مستدرك الحاكم 4 / 340، ومجمع الزوائد وقال البيهقي في سننه 6 / 245 عن عبيدة قال: إني لاحفظ عن عمر في الجد مائة قضية كلها ينقض بعضها بعضا.= ________________________________________