[25] ذلك من حسن سياسته. ووجه البدعة فيه ظاهر، فإن إخراج نصر من المدينة وتغريبه ونفيه عن وطنه بمجرد أن امرإة غنت بما يدل على هواها فيه ورغبتها إليه مخالف لضرورة الدين، لقوله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) (1)، ولاريب في (2) أن التغريب تعذيب عنيف وعقوبة عظيمة، ولم يجعل الله تعالى في دين من الاديان حسن الوجه ولا قبحه منشأ لاستحقاق العذاب لا في الدنيا ولا في الاخرة، وقد كان يمكنه دفع ما زعمه مفسدة من افتتان (3) النساء به بأمر أخف من التغريب وإن كان بدعة أيضا، وهو أن يأمره بالحجاب وستر وجهه عن النساء أو مطلقا حتى لا يفتنن به أحد. ثم ليت شعري ما الفائدة في تسيير نصر إلى البصرة، فهل كانت نساء البصرة أعف وأتقى من نساء المدينة، مع أنها (مهبط إبليس ومغرس الفتنة) (4) ؟ !. اللهم إلا أن يقال: لما كانت المدينة يومئذ مستقر سلطنة عمر كان القاطنون بها أقرب إلى الضلال ممن نشأ في مغرس الفتنة، وقد حمل أصحابنا على ما يناسب هذا المقام ما روي في فضائل عمر: مالقيك الشيطان قط سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك، وكأنه المصداق لما قيل: وكنت امرء من جند إبليس فارتقت * بي الحال حتى صار إبليس من جندي وهذه البدعة من فروع بدعة أخرى له عدوها (5) من فضائله، قالوا: هو أول من عس في عمله بنفسه، وهي مخالفة للنهي الصريح في قوله تعالى: (ولا ________________________________________ (1) قد جاءت في: الانعام: 164، والاسراء: 15، وفاطر: 18، والزمر: 7. (2) لا توجد: في، في (س). (3) في (ك): افتنان. (4) استشهاد بكلام أمير المؤمنين عليه السلام، انظر: نهج البلاغة 3 / 18 لمحمد عبدة، وصفحة: 375 في طبعة صبحي الصالح، في كتابه عليه السلام إلى عبد الله بن عباس وفيه: الفتن، بدلا من الفتنه. (5) قد عدها ابن الجوزي من مناقب عمر، وتبعه شاعر النيل حافظ ابراهيم ونظمها قصيدته العمرية تحت عنوان: مثال رجوعه إلى الحق !. ________________________________________