[ 310 ] إن المراد بالقليل الحقير لان أهل العرف يحقرون القليل ويستعظمون الكثير. اقول: الاظهر أن المراد أن الوحدة الحقيقية مخصوصة به تعالى، وإنما يطلق على غيره بمعنى مجازي مؤول بقلة معاني الكثرة فإن للكثرة معاني مختلفة: الكثرة بحسب الاجناس أو الانواع أو الاصناف أو الافراد والاشخاص أو الاعضاء أو الاجزاء الخارجية أو العقلية أو الصفات العارضة، فيقال للجنس: جنس واحد مع اشتماله على جميع أنواع التكثرات لكون كثرته أقل مما اشتمل على التكثر الجنسي أيضا وهكذا، فظهر أن معنى الواحد في غيره تعالى يرجع إلى القليل، ولذا قال عليه السلام: كل مسمى بالوحدة إشارة إلى أن غيره تعالى ليس بواحد حقيقة، هذا ما خطر بالبال والله يعلم. وقد مر تفسير سائر الفقرات ونظائرها مرارا. 38 - نهج: من خطبة له عليه السلام: المعروف من غير رؤية، (1) والخالق من غير رؤية، الذي لم يزل قائما دائما، إذ لاسماء ذات أبراج، ولاحجب ذات ارتاج، ولا دليل داج، ولابحر ساج، ولا جبل ذو فجاج، ولافج ذو اعوجاج، ولا أرض ذات مهاد، ولاخلق ذو اعتماد، ذلك مبتدع الخلق ووارثه، وإله الخلق ورازقه، والشمس والقمر دائبان في مرضاته، يبليان كل جديد، ويقربان كل بعيد، قسم أرزاقهم وأحصى آثارهم وأعمالهم، وعدد أنفاسهم وخائنة أعينهم وما تخفي صدورهم من الضمير، ومستقرهم ومستودعهم من الارحام والظهور، إلى أن تتناهي بهم الغايات، هو الذي اشتدت نقمته على أعدائه في سعة رحمته، واتسعت رحمته لاوليائه في شدة نقمته، قاهر من عازه، (2) ومدمر من شاقه، ومذل من ناواه، وغالب من عاداه، من توكل عليه كفاه، ومن سأله أعطاه، ومن أقرضه قضاه، ومن شكره جزاه. عباد الله زنوا أنفسكم من قبل أن توزنوا، وحاسبوها من قبل أن تحاسبوا، وتنفسوا قبل ضيق الخناق، وانقادوا قبل عنف السياق، واعلموا أنه من لم يعن على نفسه حتى يكون له منها واعظ وزاجر لم يكن له من غيرها زاجر ولاواعظ. ________________________________________ (1) في نسخ من النهج: الحمد لله المعروف من غير رؤية. (2) عازه: عارضه في العزة. ________________________________________