[ 34 ] الاعداء وقد جنى عليهم هذه الجنايه وفوتهم من يعتقدون انه أعدى عدو لهم، وكان سبب هجرته وسلامته منهم. ثم العجب أنه ما يكفيه اقامته حتى أصبح بينهم ظاهرا ساكنا ثابت الجنان مع خذلان البشر له وقلة الاعوان، ويكون مع ذلك على صفة قوة القلب واللسان، حتى أن الكفار لما هجموا عليه ولم يجدوا النبي (ص) وسألوه عنه فما قال ما أدرى أين مشى كما يقوله المعتذر الخائف. بل قال في حفظ الله تعالى كانه قصد اظهار العداوة لهم والقوة عليهم ثقه بالله وتثبيتا لمقام النبوة وكسر شوكة الكفار والرد عليهم في مثل ذلك الوقت الهائل، أن هذا مما يتعجب منه كل عاقل. ثم العجب أنه ما كفاه ذلك كله حتى يقيم ثلاثه أيام بمكة بعد النبي (ص) يرد الودائع ويقضى الديون ويجهز عياله ويسد مسده ويحمل حرمه الى المدينة بقلب راسخ ورأى شامخ، أن هذا مما يعجز عنه قوة الطباع البشريه إلا بمواد قوية من القدرة الالهيه. فسبحان من خص على بن أبي طالب عليه السلام بهذه الخصائص الالهيه، فكل خير جاء بعد ذلك في الاسلام والمسلمين الى يوم الدين فهو ببركه تلك الفدية والمبيت على الفراش، وحصلت لعلى عليه السلام فضيلة حفظ النبي (ص) والمشاركة في فوائد نبوته ورسالته وفي سعادة من اهتدى الى يوم القيامة من أمته. وهو أعجب من استسلام اسماعيل لذبح إبراهيم عليه السلام، لأن اسماعيل استسلم الذبح لوالد شفيق كان يمكن أن ينظر الله الى قلب والده فيعفيه من ذبحه كما جرى، أو كان يجوز أن يموت أحدهما قبل ذبح اسماعيل، أو كان يذبح بغير تألم اكراما لكون الذبح بأذنه على يد والد لولده، وغير ذلك من أسباب تجويز السلامه اشفاقا من الله تعالى. وعلى بن أبي طالب عليه السلام استسلم للاعداء بعد وفاة والده أبي طالب وتفرق الاولياء، فهل ترى كان يجوز ________________________________________