[ 489 ] رمضان، فلما كان في آخر ليلة منه أمر مناديه أن ينادي بالناس في الخروج الى البقيع لصلاة العيد، فغدوت من منزلي اريد الى سيدي علي بن الحسين عليهما السلام غلسا (1). فما مررت بسكة من سكك المدينة الا رأيت (2) أهلها خارجين الى البقيع، فيقولون: إلى أين تريد يا جابر ؟ فأقول: الى مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله، حتى أتيت المسجد، فدخلته، فما وجدت فيه الا سيدي علي بن الحسين عليهما السلام قائم يصلي صلاة الفجر وحده، فوقفت وصليت بصلاته، فلما ان فرغ من صلاته سجد سجدة الشكر. ثم انه جلس يدعو وجعلت اؤمن على دعائه، فما أتي آخر دعائه حتى بزغت (3) الشمس، فوثب قائما على قدميه تجاه القبلة وتجاه قبر رسول الله صلى الله عليه وآله. ثم انه رفع يديه حتى صارتا بإزاء وجهه وقال: إلهي وسيدي أنت فطرتني وابتدأت خلقي، لا لحاجة منك إلي بل تفضلا منك علي، وقدرت لي أجلا ورزقا لا أتعداهما، ولا ينقصني أحد منهما (4) شيئا، وكنفتني منك بأنواع النعم والكفاية طفلا وناشئا، من غير عمل عملته، فعلمته مني فجازيتني عليه، بل كان ذلك منك تطولا علي وامتنانا. فلما بلغت بي أجل الكتاب (5) من علمك بي ووفقتني لمعرفة وحدانيتك والاقرار بربوبيتك، فوحدتك مخلصا لم أدع لك شريكا في ملكك، ولا معينا على قدرتك، ولم أنسب إليك صاحبة ولا ولدا. فلما بلغت بي تناهي الرحمة منك علي، مننت بمن هديتني به من الضلالة، واستنقذتني به من الهلكة، واستخلصتني به من الحيرة، وفككتني به من الجهالة، وهو حبيبك ونبيك محمد صلى الله عليه وآله، أزلف (6) ________________________________________ 1 - الغلس: ظلمة آخر الليل. 2 - لقيت (خ ل). 3 - بزغ الشمس: طلعت. 4 - لا ينقضي منهما (خ ل). 5 - كناية عن بلوغ الحلم. 6 - أزلف: أقرب. ________________________________________