الحادي و الخمسون من شعب الإيمان و هو باب في الحكم بين الناس ـ قال الله عز و جل { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا } و قال : { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما } و قال في صفة نفسه قائما بالقسط و قال : { و أقسطوا إن الله يحب المقسطين } و غير ذلك من الآيات التي أمر فيها بالعدل في الحكم و الكيل و الميزان و الشهادة قال : فوصف جل ثناؤه بالقسط و هو العدل و أمر عباده و وصاهم فيما يتعاملون به بملازمته و الانتهاء إلى ما يوجبه آلة العدل الموضوعة بينهم من الكيل و الميزان فثبت بهذا كله أن العدل بين الناس في الأحكام و عامة المعاملات من فرائض الدين فأما ما اتصل بغير الحكم فالناس كلهم مأمورون بأن ينصف بعضهم بعضا من نفسه فلا الطالب يطلب ما ليس له و لا المطلوب يمنع ما عليه بعد أن كان قادرا على أن يعفو به و أما ما اتصل منه بالحكم فجملته أن الحاكم لا ينبغي له أن يتبع هواه و لا يتعدى الحق إلى ما سواه كما قال الله عز و جل لداود عليه السلام : { يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله } فإن الحاكم ليس رجلا خص من بين الناس فقيل له احكم بما شئت فإن هذا لم يكن لم يكن لملك مقرب و لا نبي مرسل و إنما ائتمن على حكم الله تعالى جده ليفصل بين عباده و يحمل المختلفين عليه بكل ما قاله بين الخصمين ما ليس يحكم لله عز و جل فهو مردود عليه و هو أسوأ حالا ممن قاله و هو غير حاكم لأنه ائتمن فخان و كذب على الله جل ثناؤه و اختيان الأمانة و الكذب على الله شقاق و الله تعالى يقول : { يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم } و يقول : { ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة } قال و ينبغي للإمام أن لا يولي الحكم بين الناس إلا من جمع إلى العلم السكينة و التثبت و إلى الفهم الصبر و الحلم و كان عدلا أمينا نزها عن المطاعم الدنية و رعا عن المطامع الرديئة شديدا قويا في ذات الله متيقظا متحفظا من سخط الله ليس بالنكس الخوار فلا يهاب و لا المنفظم الجبار فلا ينتاب لكن وسطا خيارا و لا يدع الإمام مع ذلك أن يديم الفحص عن سيرته و التعرف لحاله و طريقته و يقابل منه ما يجب تغييره بعاجل التغيير و ما يجب تقريره بأحسن التقرير و يرزقه من بيت المال إن لم يجد من يعمل بغير رزق ما يعلم أنه يكفيه و يقوي فيما ولاه يده و يشد أزره و بسط الكلام فيه أن قال و يتوقي أن يقال في ولايته هذا حكم الله و هذا حكم الديوان فإن هذا من قائله إشراك بالله إذ لا حكم إلا لله قال الله عز و جل : { ألا له الحكم و هو أسرع الحاسبين } كما قال : { ألا له الخلق و الأمر تبارك الله رب العالمين } و قال : { و لا يشرك في حكمه أحدا } إلى غير ذلك من الآيات التي وردت في معناه و قد وردت في تقلد القضاء آثار تزهد فيه بل توجب التحرز و الفرار منه و هي محمولة على تعظيم أمر القضاء و الدلالة على خطره و رفعة قدره لا على الكراهة له من طريق أن فيه قبحا أو مأثما أو سقاطة و أن من فر منه فلا شفاقه من أن لا يقوم بحقه قال الإمام أحمد C : فمن علم من نفسه ما لا يمكنه القيام معه بحقه فلا ينبغي له أن يتعرض للشروع فيه و من علم من نفسه أن يصلح له فينبغي له أن يشاور فيه أهل العلم و الأمانة ممن خبره و تبطن حاله و أمره على نفسه ليخبروه عن نفسه بما لعله يخفى عليه و بسط الحليمي الكلام فيه و في غيره و قد ذكرنا ما ورد في كل فصل من فصوله من الأخبار و الآثار في كتاب أدب القضاء من كتاب السنن من أراد الوقوف عليه رجع إليه إن شاء الله