4702 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ببغداد أنا أبو سهل بن زياد القطان نا بشر بن موسى نا محمد بن الفضيل بن صالح نا حسين الجعفي عن محمد بن أبي إسماعيل قال Y كنا نجالس منصور بن المعتمر إذا أراد أن يقوم اعتمد على يديه و قال : اللهم اجمع على الهدى أمرنا و اجعل التقوى زادنا و الجنة مآبنا و ارزقنا شكرا يرضيك عنا و ورعا يحجزنا عن معاصيك و خلقا نعيش به من الناس و عقلا ينفعنا به قال : فكان إذا قال : و عقلا ينفعنا به يأخذني الضحك فيقول : من أي شيء تضحك يا ابن أبي إسماعيل إن الرجل ليكون عنده و لا يكون له عقل فلا يكون عنده شيء .
قال الحليمي : و من أعظم فوائد نعم الله تعالى جده الاستدلال بها على المنعم فإن فيها الدليل عليه و على قدرته و علمه و حكمته و وجدانيته و قد نبه الله تعالى على ذلك في غير موضع من كتابه فإنه تبارك و تعالى امتن علينا بأن جعل لنا السمع و الأبصار و الأفئدة بعد أن أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئا فذكر بعض الآيات التي وردت في ذلك ثم قال : .
و قال في آية آخرى : .
{ و في أنفسكم أفلا تبصرون } .
فكان معنى ذلك في أنفسكم دلالات الحدث و هي الأحوال المتقلبة بهم من حيث لم ينفكوا عنها فإن تلك الأحوال إذا كانت أحداثا و لم يكونوا خلوا منها قط فواجب أن يعلموا أنهم أحداث و الحدث لا يخلو من محدث .
و قيل معنى ذلك أنكم تعلمون من أنفسكم أنكم لم تكونوا ثم كنتم فلا يخلو أحدكم من أن يكون هو الذي خلق نفسه أو أبواه خلقاه أو غيره و غيرهما فلا يمكن أن يكون خلق نفسه لأنه لو شاء أحد ما تمت قواه و كمل عقله أن يتم من نفسه عضوا ناقصا لم يقدر عليه فوجب أن يعلم أنه إذا كان نطفة مواتا من أن يقلب نفسه حالا فحالا أبعد و عنه أعجز ثم يعلم أنه إذا كان موجودا غير أنه ضعيف أو موات لا يقدر من أمره على شيء فهو إذا كان عدما من بعد ذلك أبعد و لا يمكن أن يكون أبواه فعلا لأن الأبوين في العجز الذي ذكرنا مثله فإذا استحال أن يكون فاعلا لنفسه و استحال أن يكون فاعلا لأبويه فحق أذا أنه فعل فاعل غيره و غير أبويه و إنما يراد الله بذلك الفاعل أفلا تبصرون ألا تدركون بعقولكم ما فيها من هذه الهداية فتهتدوا بها و لا يكفروا فإن قال قائل إن الفاعل هو الطبع قيل له و ما الطبع فإذا هذا الاسم نفسه يدل على أن للمسمى به فاعلا لأن الطبع لا يكون إلا فعل الطابع كما لا يكون الضرب إلا فعل الضارب فإن الطبيعة هي المطبوعة كما أن القتيلة هي المقتولة و الذبيحة هي المذبوحة و الصنيعة هي المصنوعة و المفعول في افتضاء الفعل كالفعل و إن قالوا الطبيعة قوة مخصوصة فذكروها و نعتوها قيل لهم القوة عرض لا بقاء لهها فيستحيل أن يؤلف الأجسام كما يستحيل على اللون أن يفعل ذلك و على الصوت و الطعم و لأن خلق الإنسان فعل سديد متقن فلا يمكن أن يكون صدر إلا من عالم حكيم و القوة لا تليق بها الحياة و لا القدرة و لا العلم و لا الحكمة فأين يمكن أن يكون الخلق وقع منها و إن وصفوا الطبيعة بهذه الصفات كانوا مشيرين بمن هي له إلا البارئ إلا أنهم يلحدون في اسمه فيسمون به غيره و يثبتونه و عندهم أنهم ينفونه و هذا نهاية الجهل فيقال لهم ما قال الله عز و جل لهم : .
{ أفلا تبصرون } .
أي لا عقول لكم تدركون بها خطأ هذا القول و فساده فترجعوا عنه إلى ما يصح و يسلم على النظر و بالله التوفيق .
و قد ذكر الله تعالى في كتابه ما جعل الناس من نعمة و إنه إن نزع عنهم تلك النعم أو نزع بعضها فمن إله غير الله يأتيهم بها و في ذلك على نفي الشرك و بالله التوفيق