170 - أخبرنا أبو منصور الفقيه أنا أبو أحمد الحافظ أخبرنا أبو عروبة السلمي قال أخبرنا سلمة بن شبيب Y فذكره .
و كذلك رواه غير الحكم بن محمد عن سفيان .
قال البيهقي C : مشيخة عمرو بن دينار جماعة من الصحابة منهم عبد الله بن عباس و عبد الله بن عمر و جابر بن عبد الله و عبد الله بن الزبير و أكابر التابعين .
و روينا هذا القول عن علي بن الحسين و جعفر بن محمد الصادق و مالك بن أنس و الليث بن سعد و سفيان بن عيينة و حماد بن زيد و عبد الله بن المبارك و عبد الرحمن بن مهدي و محمد بن إدريس الشافعي و يحيى بن يحيى و أحمد بن حنبل و أبي عبيد و محمد بن إسماعيل البخاري في مشيخة أجلة سواهم و إنما أحدث هذه البدعة الجعد بن درهم و منه كان يأخذ جهم فذبحه خالد بن عبد الله القسري يوم الأضحى .
قال الأستاذ أبو بكر بن فورك C : لو كان كلام الباري جل و عز محدثا كان قبل حدوثه موصوفا بأنه يمنع منه كما لو كان غير عالم كان موصوفا بجهل و آفة مانعة منه و لو كان كذلك لما صح أن يتكلم في حال كما لا يصح أن يعلم لو كان لم يزل غير عالم فوجب أنه لم يزل متكلما لما لم يلحق به أضداد الكلام من السكوت و الخرس و الطفولية .
و إن شئت قلت : كلام الله سبحانه لو كان مخلوقا كان يجب أن يكون موصوفا بضده قبل خلقه له لاستحالة أن يخلو الحي من الكلام و ضده و ضد الكلام و كان قديما لم يجز عدمه و كان يؤدي إلى إحالة وصفه بالأمر و النهي و الخبر و ذلك خلاف الدين .
و لأن الكلام لو كان مخلوقا كان لا يخلو من أن خلقه في نفسه أو في غيره أو في لا شيء و يستحيل أن يخلقه في لا شيء لأنه عرض و العرض لا يقوم بنفسه و يستحيل أن يخلقه في نفسه لاستحالة أن يكون محلا للحوادث و يستحيل أن يخلقه في غيره لأنه لو كان مخلوقا في غيره لكان مضافا إلى ذلك الغير بأخص أوصافه كسائر الأعراض التي هي علم و قدرة و حياة إذ خلقها في غيره و لو كان كذلك لم يكن كلاما لله و لا أمرا له .
فإن قيل : يكون كلاما له كما يكون فعله تفضلا له و إن كان في غيره .
قيل : التفضل هو اسم يعم أجناسا و نحن قلنا يضاف إليه بأخص أوصافه فإن كان قوة أضيفت إلى ما خلقت فيه و إن كان سمعا و بصرا فكذلك فقولوا بأنه يضاف إليه باسم الأمر و النهي بلفظ الكلام و القول فإن لم يضيفوه لا بالأخص ولا بالأعم و لا إلى الجملة و لا إلى المحل فقد افترق الأمر فيهما .
فإن قيل لو كان كلامه غير مخلوق لكان لم يزل مخبرا : .
{ إنا أرسلنا نوحا } .
و لم يزل يرسل ذلك كذب قيل : أو ليس قد قال : .
{ و قال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق } .
و لم يقل بعد أفهو كذب ؟ فإن قال معناه سيقول .
قيل ذلك قوله : .
{ إنا أرسلنا نوحا إلى قومه } .
في أزله خبرا عن أن سنرسل نوحا قبل إرساله فإذا أرسل يكذب خبرا عن إرساله أنه وقع من غير أن يحدث خبرا كما أن علمه بأن سيكون الدنيا علمه بأنه كائن و إذا كان لم يحدث علم إنما حدث المعلوم و المخبر عنه دون العلم و الخبر .
فإن قالوا : لو كان لم يزل متكلما لكان لم يزل آمرا وأمر من ليس بموجود محال .
قيل من قال من أصحابنا لم يزل آمرا فهو يقول لم يزل آمرا له يكون على معنى إذا خلقت و بلغت و كمل عقلك فافعل كذا كأوامر الرسول صلى الله عليه و سلم لمن يأتي بعده و من قال لم يزل غير آمر و إنما يكون كلامه أمرا لحدوث معنى فنقول لا يجب إذا كان لم يزل متكلما أن يكون لم يزل آمرا لأن حقيقة الكلام غير حقيقة الأمر و لم يكن كلاما لأنه أمر و إنما كان كلاما لأنه مسموع يفيد معاني المتكلم و ينفي السكوت و الخوص و يكون أمرا لعلة الإفهام أن كذا يلزمه أن يفعله .
فإن قيل : لو كان لم يزل متكلما لكان هاذيا إذ لا يسمع كلامه أحد .
قيل أليس المسبح لا يسمع كلامه أحد و لا يكون هذيا فإن قيل : الله يسمعه قيل : فهو يسمع الهذيان أيضا و لا يخرجه من أن يكون هذيانا و لأن معنى الهذيان أنه كلام لا يفيد و كلام الله يفيد المعاني الجليلة .
فإن احتج محتج بالحروف و تأخر بعضها عن بعض و في ذلك دلالة على الحدث و كلام الباري ليس بحروف و إنما هو معنى موجود قائم بذاته يسمع و تفهم معانيه و الحروف تكون أدلة عليه كما تكون الكتابة أمارات الكلام و دلالات عليه و كما يعقل متكلما لا مخارج له و لا أدوات كذلك يعقل له كلاما ليس بحروف و لا أصوات وقوله : .
{ ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث } .
دليلنا لأنه لولا أن في الأذكار ذكرا غير محدث ما كانت له فائدة كما أن من قال جاءني رجل له رأس ما كانت له فائدة إذ لا يخلو منه رجل .
و معنى الذكر كلام الرسول صلى الله عليه و سلم أو نفس الرسول لأنه هو الذي يأتي في الحقيقة و أما النسخ و التبديل و الحفظ فكل ذلك راجع إلى الأحكام و إلى القراءة الدالة على الكلام لا إلى عين الكلام و كذلك التبعيض إنما هو في القراءة الدالة عليه و القراءة غير المقروء كما أن ذكر الله غير الله و قوله : .
{ إنا جعلناه قرآنا عربيا } .
يريد به سميناه كقوله { وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا } يعني وصفه الملائكة إناثا ـ .
قال الحليمي C و قوله D : .
{ إنه لقول رسول كريم } .
{ و لا بقول كاهن } .
و قال { إنه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثم أمين } .
فإنما معناه إنه لقول رسول كريم أي قول تلقاه عن رسول كريم أو قول سمعه عن رسول كريم إذ نزل به عليه رسول كريم و قد قال في آية أخرى : .
{ وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله } فأثبت أن القرآن كلامه و لا يجوز أن يكون كلامه و كلام جبريل معا فدل أن معناه ما قلنا .
قال البيهقي C : و المقصود من تلك الآية تكذيب المشركين فيما كانوا يزعمون من وضع النبي صلى الله عليه و سلم هذا القرآن ثم قد أخبر الله D أنه هو الذي نزل به الروح الأمين عليه السلام على قلب محمد صلى الله عليه و سلم و أن جبريل نزل به من عنده و بالله التوفيق .
و أما الوجه الثاني و هو الاعتراف بأنه معجز النظم فقد مضى الكلام فيه و الإعجاز عند أكثر أصحابنا يقع في قراءة القرآن فنظم حروفه و دلالاته في عين كلامه القديم و لما كان الجن و الإنس عاجزين عن الإتيان بمثله و الملائكة أيضا عاجزون عن الإتيان بمثله لأنه في قول أكثر أهل العلم ليس من جنس نظوم كلام الناس و لا يهتدى إلى وجهه ليحتذى و يمثل و هو كتركيب الجواهر لتصير أجساما و قلب الأعيان إذ كما لا يقدر عليه الجن و الإنس لا يقدر عليه الملائكة و إنما وقع التحدي عليه للجن و الإنس دون الملائكة لأن النبي صلى الله عليه و سلم إنما أرسل إلى الجن و الإنس دون الملائكة و في ذلك ما أبان أن نظم القرآن ليس من عند جبريل و لكنه من عند اللطيف الخبير و هذا معنى كلام الحليمي C الوجه الثالث : فبيانه أن الله D ضمن حفظ القرآن فقال : .
{ إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون } و قال : { وإنه لكتاب عزيز * لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد } .
فمن أجاز أن يتمكن أحد من زيادة شيء في القرآن أو نقصانه منه أو تحريفه فقد كذب الله في خبره و أجاز الخلف فيه و ذلك كفر .
و أيضا فإن ذلك لو كان ممكنا لم يكن أحد من المسلمين على ثقة من دينه و يقين مما هو متمسك به لأنه كان لا يأمن أن يكون فيما كتم من القرآن أوضاع بنسخ شيء مما هو ثابت من الأحكام أو تبديله بغيره .
و بسط الحليمي C الكلام فيه فصح أن من تمام الإيمان بالقرآن الاعتراف بأن جميعه هو هذا المتوارث خلفا عن سلف لا زيادة فيه و لا نقصان منه و بالله التوفيق