121 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبا علي بن محمد المروزي ثنا محمد بن إبراهيم الرازي ثنا يحيى بن معاذ قال Y جملة التوحيد في كلمة واحدة و هي أن تتصور في وهمك شيئا إلا و اعتقدت أن الله عز و جل هو مالكه من جميع الجهات .
قال البيهقي C تعالى : .
فإن قال قائل : و ايش الدليل على أنه سبحانه موجود ؟ .
قيل : قد بينا أنه أوجد العالم و أحدثه و الفعل لا يصح وقوعه إلا من ذوي قدرة و القدرة لا تقوم بنفسها فوجب أنها تقوم بقادر موجود .
و لأن استحالة وقوع الفعل من معدم كاستحالة وقوعه لا من فاعل فلما استحال فعل لا من فاعل استحال فعل من معدوم وفي ذلك دليل علة وجوده فإن قال قائل : و ما الدليل على أنه سبحانه قديم لم يزل .
قيل : قد ثبت أنه موجود ولو كان محدثا لتعلق بغيره إلى نهاية و الموجود لا ينفك من أن يكون قديما أو محدثا فلما فسد كونه محدثا ثبت أنه قديم .
و إن شئت قلت : قد بينا احتياج المحدثات إلى مقدم يقدم ما تقدم منها و مؤخر يؤخر ما تأخر منها و مخصص يخصص بعضها ببعض الهيئات دون بعض فلو كان الذي يفعل ذلك بها مشاركا لها في الحدوث لشاركها في الحاجة إلى المقدم المؤخر المخصص و لو كان بهذا الوصف لاقتضى كل محدثا قبله و يستحيل وجود محدثات واحد قبل واحد لا إلى أول لاستحالة الجمع بين الحدوث و نفي الابتداء فثبت أنه قديم لم يزل .
فإن قال قائل : فما الدليل على أنه ليس بجسم و لا جوهر و لا عرض ؟ قيل : لأنه لو كان جسما لكان مؤلفا و المؤلف شيئان و هو سبحانه شيء واحد لا يحتمل التأليف .
و ليس بجوهر لأن الجوهر هو الحامل للأعراض المقابل للمتضادات و لو كان كذلك لكان ذلك دليلا على حدوثه و هو سبحانه تعالى قديك لم يزل .
و ليس يعرض لأن العرض لا يصح بقاؤه و لا يقوم بنفسه ـ و هو ـ سبحانه قائم بنفسه لم يزل موجودا و لا يصح عدمه .
فإن قال قائل : فإذا كان القديم سبحانه شيئا لا كالأشياء ما انكرتم أن يكون جسما لا كالأجسام ؟ .
قيل له : لو لزم ذلك للزم أن يكون صورة لا كالصور و جسدا لا كالأجساد و جوهرا لا كالجواهر : فلما لم يلزم ذلك لم يلزم هذا .
و بعد : فإن الشيء سمة لكل موجود و قد سمى الله ـ سبحانه .
نفسه شيئا قال الله عز و جل : .
{ قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم } .
و لم يسم نفسه جسما و لا سماه به رسول الله صلى الله عليه و سلم و لا اتفق المسلمون عليه و نحن فلا نسمي الله عز و جل باسم لم يسم هو به نفسه و لا رسوله و لا اتفق المسلمون عليه قال الله عز و جل : .
{ ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون } .
فإن قال قائل : و ما الدليل على أنه لا يشبه المصنوعات و لا يتصور في الوهم ؟ .
قيل : لأنه لو أشبهها لجاز عليه جميع ما يجوز على المصنوعات من سمات النقص و إمارات الحدث و الحاجة إلى محدث غيره و ذلك يقتضي نفيه فوجب أنه كما وصف نفسه : .
{ ليس كمثله شيء و هو السميع البصير } .
و لأنا نجد كل صنعة فيما بيننا لا تشبه صانعها كالكتابة لا تشبه الكاتب و البناء لا يشبه الباني فدل ما ظهر لنا من ذلك على ما غاب عنا و علمنا أن صنعة الباري لا تشبهه .
فإن قال قائل : و ما الدليل على أنه قائم بنفسه مستغن عن غيره ؟ .
قيل : لأن خالق هذا الوصف يوجب حاجته إلى غيره و الحاجة دليل الحدث لأنها تكون إلى وقت ثم تبطل بحدوث ضدها و ما جاز دخول الحوادث عليه كان محدثا مثلها و قد قامت الدلالة على قدمه .
فإن قال قائل : و ما الدليل على أنه حي عالم قادر .
قيل : ظهور فعله دليل على حياته و قدرته و عمله لأن ذلك لا يصح وقوعه من ميت و لا عاجز و لا جاهل به و إذا وقع في شيء لم يصح وقوعه من ميت و لا عاجز و لا جاهل دل ذلك على أنه بخلاف وصف من لا يتأتى ذلك منه و لا يكون بخلاف ذلك إلا و هو حي قادر عالم .
فإن قال قائل : و ما الدليل على أنه مريد ؟ .
قيل : لأنه حي عالم ليس بمكره و لا مغلوب و لا به آفة تمنعه من ذلك و كل حي خلا مما يضاد العلم و لم يكن به آفة تخرجه من الإرادة كان مريدا مختارا قاصدا .
فإن قال قائل : و ما الدليل على أنه سميع بصير ؟ .
قيل : لأنه حي و يستحيل وجود حي يتعرى عن الوصف بما يدرك المسموع و المرئي أو بالآفة المانعة منه و يستحيل تخصيصه من أحد هذين الوصفين بالآفة لأنها منع و المنع يقتضي مانعا و ممنوعا و من كان ممنوعا كان مغلوبا و ذلك صفة الحدث و الباري قديم لم يزل و هو سميع بصير لم يزل و لا يزال .
فإن قال قائل : و ما الدليل على أنه متكلم ؟ .
قيل : لأنه حي ليس بساكت و لا به آفة تمنعه من الكلام و كل حي كان كذلك كان متكلما .
فإن قال قائل : و ما الدليل على أنه لم يزل حيا قادرا عالما مريدا سميعا بصيرا متكلما ؟ .
قيل : لأنه لو لم يكن كذلك لكان موصوفا بأضدادها من موت أو عجز أو آفة و لو كان كذلك لاستحال أن يقع منه فعل و في صحة الفعل منه دليل على أنه لم يزل كذلك و لا يزال كذلك .
فإن قال قائل : و ما الدليل على أنه حي قادر عالم مريد سميع بصير متكلم له الحياة والقدرة و العلم و الإرادة و السمع و البصر و الكلام ؟ .
قيل : لأنه يستحيل إثبات موجود بهذه الأوصاف مع نفي هذه الصفات عنه و حين لزم إثباته بهذه الأوصاف لزم إثبات هذه الصفات له .
قال الله عز و جل : .
{ و لا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء } .
و قال تعالى : .
{ وسع كل شيء علما } .
و قال : { و أن الله قد أحاط بكل شيء علما } .
أي علمه قد أحاط بالمعلومات كلها ـ إلى سائر الآيات التي وردت في هذا المعنى و قال : .
{ إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين } .
فأثبت القوة لنفسه و هي القدرة و أثبت العلم فدل أنه عالم بعلم قادر بقدرة و لأنه لو جاز عالم لا علم له لجاز علم لا عالم به كما أنه لو جاز فاعل لا فعل له لجاز فعل لا لفاعل فلما استحال فاعل لا فعل له كما استحال فعل لا فاعل له كذلك يستحيل عالم لا علم لا لعالم .
و لأن العلم لو لم يكن شرطا في كون العالم عالما لم يضر عدمه في كل عالم حتى يصح كل عالم أن يكون عالما مع عدم العلم و حين كان شرطا في كون بعضهم عالما وجب ذلك في كل عالم لامتناع اختلاف الحقائق من الموصوفين .
و لأن إحكام الفعل يمتنع مع عدم العلم منا به كما يمتنع مع كوننا غير عالمين به فكما وجب استواء جميع المحكمين في كونهم علماء كذلك يجب استواءهم في كون العلم لهم لاستحالة وقوعه من غير ذي علم به منا كاستحالة وقوعه من غير عالم به منا .
و لأن حقيقة العلم ما يعلم به العالم و بعدمه يخرج عن كونه عالما فلو كان القديم عالما بنفسه كانت نفسه علما له و لا يجوز أن يكون العالم في معنى العلم فإن عارضوا ما ذكرناه من الآيات بقول الله عز و جل : .
{ و فوق كل ذي علم عليم } .
قلنا : لسنا نقول إن الله ذو علم على التنكير و إنما نقول أنه ذو العلم على التعريف كما نقول أنه ذو الجلال و الإكرام على التعريف و لا نقول أنه ذو جلال و إكرام على التنكير .
فمعنى الآية إذا و فوق كل ذي علم محدث من هو أعلم منه .
فإن قالوا : فيقولون إن علمه قديم و هو قديم .
قيل : من أصحابنا من لا يقول ذلك مع إثباته له أزليا و منهم من يقول ذلك و لا يجب به الاشتباه لأن القديم هو المتقدم في وجوده بشرط المبالغة و المتقدم في الوجود هو الوجود و الوجود لا يوجب الاشتباه عند أحد فكذلك المتقدم في الوجود لا يوجب الاشتباه و لأن القدم وصف مشترك يقال شيخ قديم و بناء قديم و بناء قديم و عرجون قديم .
فالاشتباه لا يقع بالاشتراك في الوصف المشترك .
و لأنه لو كان الاشتباه يقع بالاشتراك في القدم لكان يقع بالاشتراك في الحدث فلما لم يقع بالاشتراك في الحدث لم يقع بالاشتراك في القدم .
و لأن عندنا حقيقة المشتبهين هم الغيران اللذان يجوز على أحدهما جميع ما يجوز على صاحبه و ينوب منابه و صفات الله تعالى ليست باغيار له .
فإن قالوا : لو كان له علم لم يخل من أن يكون هو أو غيره أو بعضه ؟ .
قيل : هذه دعوى بل ما ينكر من علم لا يجوز أن يقال هو هو لاستحالة أن يكون العلم عالما و لا يجوز أن يقال غيره لاستحالة مفارقته له و معنى الغيرين ما لا يستحيل مفارقة أحدهما لصاحبه بوجه .
و لا يجوز أن يقال بعضه إذ ليس الموصوف به متبعضا .
فإن قال : لو كان له علم لكان عرضا مكتسبا أو مضطرا إليه و كان اعتقادا من جنس علومنا لأن ذلك حكم العلم المعقود .
قيل : ليس الأمر كذلك لأن العلم لم يكن العلم لم يكن علما لأنه عرض أو بصفة مما ذكرتكم و إنما كان علما لأن العلم به يعلم ثم يضطر فإن كان العلم محدثا كان علمه عرضا مكتسبا أو مضطرا إليه .
و إن لم يكن محدثا لم يصح و صفه بما يوجب الحدث و لما وجب أن يكون عالما غير معتقد و لا مكتسب و لا مضطر و جب أن يكون له علم لا يصح وصفه بشيء مما ذكرتكم .
فإن قالوا : لو كان عالما بعلم لكان محتاجا إلى عمله .
قيل : لا يجوز عليه الحاجة لأنه غني ليس علمه و لا سائر صفاته الذاتية أغيارا له و لا ابعاضا حتى يصح وصفة بالحاجة إلى غيره أو إلى بعضه .
فإن قالوا : فيقولون إن علمه علم بكل ما يصح أن يعلم .
قيل : كذلك نقول و لذلك وصف الله تعالى علمه فقال : .
{ لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما } .
و أما غير الله عز و جل فإن لا يصح أن يكون عالما بكل معلوم فلم يصح أن يكون له علم بذلك فالله سبحانه و تعالى يجب كونه عالما بكل معلوم فكذلك يجب أن يكون عمله علما بكل ما يصح أن يعلم .
و الكلام في سائر الصفات الذاتية كالكلام في العلم و لا يجوز في شيء من ذلك أن يقال إنه يجاوره لأن المجاورة تقتضي الممارسة أو المقاربة في المكان و ذلك صفة الأجسام التي هي محل الحوادث و لا يقال إنها تحله لأن الحلول يقتضي المجاورة و قد قامت الدلالة على بطلانها و لا يقال إنها تخالفة أو تفارقه لأن المفارقة و المخالفة فرع للغيرية و التغاير بينه و بين صفاته محال .
و لا يقال إنه ملكه لأن ما يملك يصح أن يفعل و صفاته أزلية لا يصح أن تفعل و لا يقال في صفات ذاته إنها في أنفسها مختلفة و لا متففة لأنها ليست بمتغايرة .
و لا يقال إنها مع الله أو في الله بل هي مختصة بذاته قائمة به لم يزل موصوفا بها و لا يزال هو موصوفا بها .
و لله تعالى صفات خبرية منها الوجه و اليد .
طريق إثباتها و رود خبر الصادق بها فنثبتها و لا نكيفها .
و أما صفات الفعل كالخلق و الرزق فإنها أغيار و هي فيما لا يزال و لا يصح وصفه بها في الأزل .
و أبى المحققون من أصحابنا أو يقولوا في الله جل ثناؤه أنه لم يزل خالقا و رازقا و لكن يقولون خالقنا لم يزل و رازقنا لم يزل قادرا على الخلق و الرزق لأنه لم يخلق في الأزل ثم خلق و إذا سمي خالقا بعد وجود الخلق لم يوجب ذلك تغيرا في ذاته كما أن الرجل إذا سمي أبا بعد أن لم يسم أبا لم يوجب ذلك تغيرا في نفسه .
و من أصحابنا من قال : يجوز القول لم يزل خالقا رازقا على معنى أنه سيخلق و سيرزق و بالله التوفيق