كره .
- قيل : الكره والكره واحد نحو : الضعف والضعف وقيل : الكره : المشقة التي تنال الإنسان من خارج فيما يحمل عليه بإكراه والكره : ما يناله من ذاته وهو يعافه وذلك على ضربين : .
أحدهما : ما يعاف من حيث الطبع .
والثاني : ما يعاف من حيث العقل أو الشرع ولهذا يصح أن يقول الإنسان في الشيء الواحد : إني أريده وأكرهه بمعنى أني أريده من حيث الطبع وأكرهه من حيث العقل أو الشرع أو أريده من حيث العقل أو الشرع وأكرهه من حيث الطبع وقوله : { كتب عليكم القتال وهو كره لكم } [ البقرة / 216 ] أي : تكرهونه من حيث الطبع ثم بين ذلك بقوله : { وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم } [ البقرة / 216 ] أنه لا يجب للإنسان أن يعتبر كراهيته للشيء أو محبته له حتى يعلم حاله . وكرهت يقال فيهما جميعا إلا أن استعماله في الكره أكثر . قال تعالى : { ولو كره الكافرون } [ التوبة / 32 ] { ولو كره المشركون } [ التوبة / 33 ] { وإن فريقال من المؤمنين لكارهون } [ الأنفال / 5 ] وقوله : { أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه } [ الحجرات / 12 ] تنبيه أن أكل لحم الأخ شيء قد جبلت النفس على كراهتها له وإن تحراه الإنسان وقوله : { لا يحل لكم ان ترثوا النساء كرها } [ النساء / 19 ] وقرئ : { كرها } ( وهي قراءة حمزة والكسائي وخلف . انظر : الإتحاف ص 188 ) والإكراه يقال في حمل الإنسان على ما يكرهه وقوله : { ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء } [ النور / 33 ] فنهي عن حملهن على ما فيه كره وكره وقوله : { لا إكراه في الدين } [ البقرة / 256 ] فقد قيل : كان ذلك في ابتداء الإسلام فإنه كان يعرض على الإنسان الإسلام فإن أجاب وإلا ترك ( ويؤيد هذا ما أخرجه ابن إسحق وابن جرير عن ابن عباس قال : نزلت في رجل من الأنصار من بني سالم بن عوف يقال له الحصين كان له ابنان نصرانيان وكان هو رجلا مسلما فقال للنبي A : ألا أستكرههما ؟ فإنهما قد أبيا إلا النصرانية فأنزل الله فيه ذلك . انظر : الدر المنثور 2 / 21 وتفسير الطبري 3 / 14 ) .
والثاني : أن ذلك في أهل الكتابن فإنهم إن أرادوا الجزية والتزموا الشرائط تركوا ( وهذا مروي عن ابن عباس أيضا وأخرجه عنه ابن جرير وابن أبي حاتم ) .
والثالث أنه لا حكم لمن أكره على دين باطل فاعترف به ودخل فيه كما قال تعالى : { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } [ النحل / 106 ] .
الرابع : لا اعتداد في الآخرة بما يفعل الإنسان في الدنيا من الطاعة كرها فإن الله تعالى يعتبر السرائر ولا يرضى إلا الإخلاص ولهذا قال E : ( الأعمال بالنيات ) ( الحديث متفق عليه أخرجه البخاري في بدء الوحي 1 / 7 ومسلم في الإمارة برقم ( 1907 ) وغيرهما ) وقال : ( أخلص يكفك القليل من العمل ) ( الحديث عن معاذ بن جبل أنه قال لرسول الله A حين بعثه إلى اليمن : أوصني . قال : ( أخلص دينك يكفك العمل القليل ) أخرجه الحاكم في الرقاق 4 / 306 ، وقال : صحيح الإسناد ولم يوافقه الذهبي وأبو نعيم في الحلية 1 / 244 . وقال العراقي : رواه الديلمي في مسند الفردوس من حديث معاذ وإسناده منقطع . انظر : تخريج أحاديث الإحياء 6 / 2406 ) .
الخامس : معناه لا يحمل الإنسان على أمر مكروه في الحقيقة مما يكلفهم الله بل يحملون على نعيم الأبد ولهذا قال E : ( عجب ربكم من قوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل ) ( الحديث تقدم في مادة ( سل ) ) .
السادس : أن الدين الجزاء . معناه : أن الله ليس بمكروه على الجزاء بل يفعل ما يشاء بمن يشاء كما يشاء .
وقوله : { أفغير دين الله يبغون } إلى قوله : { طوعا وكرها } [ آل عمران / 83 ] ( الآية : { أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها } ) قيل معناه : أسلم من في السموات طوعا ومن في الأرض كرها . أي : الحجة أكرهتهم وألجأتهم كقولك : الدلالة أكرهتني على القول بهذه المسألة وليس هذا من الكره المذموم .
الثاني : أسلم المؤمنون طوعا والكافرون كرها إذ لم يقدروا أن يمتنعوا عليه بما يريد بهم ويقضيه عليهم .
الثالث : عن قتادة : أسلم المؤمنون طوعا والكافرون كرها عند الموت حيث قال : { فلم يك ينفعهم لما رأوا بأسنا . . . } الآية [ غافر / 85 ] . الرابع : عني بالكره من قوتل وألجئ إلى أن يؤمن .
الخامس : عن أبي العالية ( أبو العالية الرياحي واسمه رفيع بن مهران ثقة كثير الإرسال من الثانية . مات سنة تسعين . راجع : تقريب التهذيب ص 210 ) ومجاهد أن كلا أقر بخلقه إياهم وإن أشركوا معه كقوله : { ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله } [ الزخرف / 87 ] .
السادس : عن ابن عباس : أسلموا بأحوالهم المنبئة عنهم وإن كفر بعضهم بمقالهم وذلك هو الإسلام في الذر الأول ( أخرجه ابن جرير 3 / 336 بسند صحيح ) حيث قال : { ألست بربكم قالوا بلى } [ الأعراف / 172 ] وذلك هو دلائلهم التي فطروا عليها من العقل المقتضي لأن يسلموا وإلى هذا أشار بقوله : { وظلالهم بالغدو والآصال } [ الرعد / 15 ] . السابع : عن بعض الصوفية : أن من أسلم طوعا هو من طالع المثيب والمعاقب لا الثواب والعقاب فأسلم له ومن أسلم كرها هو من طالع الثواب والعقاب فأسلم رغبة ورهبة ونحو هذه الآية قوله : { ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها } [ الرعد / 15 ]